الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الوفاء بالعقود، وذم الغدر والنكث؛ كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" [المائدة:1] ، وهذا عام يشمل جميع العقود، وجميع المتعاقَد معهم مسلمين أو غير مسلمين ما لم يكن العقد مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية؛ وفي صحيح البخاري (34) ، وصحيح مسلم (58) عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
وهذا فيه الترهيب من الغدر وإخلاف الوعد، وهو عام أيضاً يشمل جميع المعاهدات والوعود، وأيًّا كان المعاهَد مسلماً كان أو كافراً.
ومن العقود التي يجب الوفاء بها عقود المداينات (القروض) ، بل ورد الوعيد الشديد على عدم الوفاء بها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" أخرجه مسلم (1886) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" رواه أحمد (9302) وابن ماجة (2413) والترمذي (1078، 1079) ، وقال حديث حسن. وصححه الألباني- رحمهم الله تعالى.
وهذا أيضاً عام يشمل جميع الديون حتى وإن كانت لغير المسلمين، قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/100) : (وفي هذا الحديث من الفقه أن قضاء الدين عن الميت بعده في الدنيا ينفعه في آخرته؛ ولذلك أمر وليه بالقضاء عنه، ولا ميراث إلا بعد قضاء الدين) . قال الشوكاني-رحمه الله تعالى-: (فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وهذا مقيد بمن له مال يقضي منه دَيْنه، وأما من لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه..) نيل الأوطار (4/53) .
والخلاصة: أن الدَّين أمره عظيم، سواء كان لمسلم أو غير مسلم، وأنه يجب على المدين المبادرة في وفائه متى حل وهو قادر على الوفاء، وأنه لا يجوز للورثة أن يقتسموا التركة حتى تُقضى الديون وتنفذ الوصية، كما قال تعالى في آية المواريث: "من بعد وصية توصون بها أو دين" [النساء:12] ، وإذا لم يترك الميت المدين وفاءً شرع لغيره قضاؤه وانتفع الميت بذلك.
أما إذا كان الدَّين قد جعلت عليه فائدة ربوية فلا يستحق الدائن إلا قدر رأس ماله فقط، لكن على المدين أن يتخلص من هذه الفائدة؛ لأنه هو الآخر لا تحل له فيخرج من ماله بقدرها، وينفقه فيما يشاء من أوجه الخير، لكن ليس بنية الصدقة ولكن بنية التخلص من مال حرام.
أما قول السائل: وكيف يُقضى حق الكافر من المسلم يوم القيامة؟.
فالجواب: أن الذي نعتقده أن الحقوق والمظالم محفوظة لأصحابها، وأن الحقوق في الآخرة إما حسنات أو سيئات؛ فقد ثبت عند مسلم (2582) وغيره عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"؛ كما ثبت عند البخاري (2449) وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".
أما كيفية القضاء بين المسلم والكافر؛ وهل يؤخذ من سيئات الكافر وتوضع على المسلم، أو يؤخذ من حسنات المسلم فتعطى الكافر فيخف عذابه، فالله أعلم، وعلى أية حال فلسنا متعبدين بمعرفة كيفية ذلك، ولن نسأل عنه، غير أن المتعين علينا كمسلمين أن نحذر الظلم والتهاون في حقوق الآخرين؛ مهما كانت هذه الحقوق، وأياً كان أصحابها. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الوفاء بالعقود، وذم الغدر والنكث؛ كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" [المائدة:1] ، وهذا عام يشمل جميع العقود، وجميع المتعاقَد معهم مسلمين أو غير مسلمين ما لم يكن العقد مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية؛ وفي صحيح البخاري (34) ، وصحيح مسلم (58) عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
وهذا فيه الترهيب من الغدر وإخلاف الوعد، وهو عام أيضاً يشمل جميع المعاهدات والوعود، وأيًّا كان المعاهَد مسلماً كان أو كافراً.
ومن العقود التي يجب الوفاء بها عقود المداينات (القروض) ، بل ورد الوعيد الشديد على عدم الوفاء بها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" أخرجه مسلم (1886) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" رواه أحمد (9302) وابن ماجة (2413) والترمذي (1078، 1079) ، وقال حديث حسن. وصححه الألباني- رحمهم الله تعالى.
وهذا أيضاً عام يشمل جميع الديون حتى وإن كانت لغير المسلمين، قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/100) : (وفي هذا الحديث من الفقه أن قضاء الدين عن الميت بعده في الدنيا ينفعه في آخرته؛ ولذلك أمر وليه بالقضاء عنه، ولا ميراث إلا بعد قضاء الدين) . قال الشوكاني-رحمه الله تعالى-: (فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وهذا مقيد بمن له مال يقضي منه دَيْنه، وأما من لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه..) نيل الأوطار (4/53) .
والخلاصة: أن الدَّين أمره عظيم، سواء كان لمسلم أو غير مسلم، وأنه يجب على المدين المبادرة في وفائه متى حل وهو قادر على الوفاء، وأنه لا يجوز للورثة أن يقتسموا التركة حتى تُقضى الديون وتنفذ الوصية، كما قال تعالى في آية المواريث: "من بعد وصية توصون بها أو دين" [النساء:12] ، وإذا لم يترك الميت المدين وفاءً شرع لغيره قضاؤه وانتفع الميت بذلك.
أما إذا كان الدَّين قد جعلت عليه فائدة ربوية فلا يستحق الدائن إلا قدر رأس ماله فقط، لكن على المدين أن يتخلص من هذه الفائدة؛ لأنه هو الآخر لا تحل له فيخرج من ماله بقدرها، وينفقه فيما يشاء من أوجه الخير، لكن ليس بنية الصدقة ولكن بنية التخلص من مال حرام.
أما قول السائل: وكيف يُقضى حق الكافر من المسلم يوم القيامة؟.
فالجواب: أن الذي نعتقده أن الحقوق والمظالم محفوظة لأصحابها، وأن الحقوق في الآخرة إما حسنات أو سيئات؛ فقد ثبت عند مسلم (2582) وغيره عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"؛ كما ثبت عند البخاري (2449) وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".
أما كيفية القضاء بين المسلم والكافر؛ وهل يؤخذ من سيئات الكافر وتوضع على المسلم، أو يؤخذ من حسنات المسلم فتعطى الكافر فيخف عذابه، فالله أعلم، وعلى أية حال فلسنا متعبدين بمعرفة كيفية ذلك، ولن نسأل عنه، غير أن المتعين علينا كمسلمين أن نحذر الظلم والتهاون في حقوق الآخرين؛ مهما كانت هذه الحقوق، وأياً كان أصحابها. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.