الجواب :
الحمد لله , والصلاة , والسلام على رسول الله , وعلى آله , ومن والاه , وبعد : فإن تحريم الكذب معلوم من الدين بالضرورة ، وهو من قبائح الذنوب وفواحش الأخلاق ، ويزداد قبحًا وفحشًا وإثمًا إذا أكد بالحلف ، غير أنه ليس محرمًا لذاته ؛ بل لما قد يترتب عليه من الضرر ؛ ولذا قد يتعين الكذب , ويتعين الحلف عليه إذا كان الضرر المترتب على تركه أعظم من المترتب على الصدق ، ولا حرج على من كذب , وحلف في هذه الحالة , قال الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى – محررًا هذه المسألة في كلام جميل طويل يحسن إيراد مقتطفات مهمة منه لشدة حاجتنا إليه في هذا الزمن :
}اعلم أن الكذب ليس حرامًا لعينه ؛ بل لما فيه من الضرر على المخاطب , أو على غيره.. ، قال ميمون بن مهران : ( الكذب في بعض المواطن خير من الصدق ، أرأيت لو أن رجلًا سعى خلف إنسان بالسيف ليقتله , فدخل دارًا فانتهى إليك فقال: أرأيت فلانًا ؟ ما كنت قائلًا ؟ ألست تقول : لم أره , وما تصدق به . وهذا الكذب واجب ) ، فنقول - ولايزال الكلام للغزالي - رحمه الله - : الكلام وسيلة إلى المقاصد , فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق , والكذب جميعًا ؛ فالكذب فيه حرام ، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق ؛ فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحًا ، وواجب إن كان المقصود واجبًا ، كما أن عصمة دم المسلم واجبة . فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب , ومهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بكذب ؛ فالكذب مباح ، إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه , وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة ، فيكون الكذب حرامًا في الأصل إلا لضرورة ، والذي يدل على الاستثناء ما روي عن أم كلثوم - رضي الله تعالى عنها - قالت : ( ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث : الرجل يقول القول يريد به الإصلاح ، والرجل يقول القول في الحرب ، والرجل يحدث امرأته , والمرأة تحدث زوجها ) . رواه مسلم – رحمه الله تعالى - ، وقالت أيضًا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرًا , أو نمى خيرًا ) . متفق عليه ..، فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء ، وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له , أو لغيره.. ، فللرجل أن يحفظ دمه , وماله الذي يؤخذ ظلمًا وعرضه بلسانه وإن كان كاذباً..، - إلى أن قال - رحمه الله - : ولكن الحد فيه أن الكذب محذور ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور . فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر ويزن بالميزان القسط ، فإذا علم أن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعًا في الشرع من الكذب ؛ فله الكذب ، وإن كان ذلك المقصود أهون من مقصود الصدق ؛ فيجب الصدق ، وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما ، وعند ذلك الميل إلى الصدق أولى ؛ لأن الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة . فإن شك في كون الحاجة مهمة ؛ فالأصل التحريم فيرجع إليه ، ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه ..{(إحياء علوم الدين ج 2 / ص 332 - 334 ) .
قلت : وإن اضطر الإنسان للكذب ؛ فينبغي أن يلجأ للتورية ما أمكنه ذلك , قال النووي - رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر جواز الكذب في حالة الاضطرار : ( والأحوط في هذا كله أن يوري ، ومعنى التورية : أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه ، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ، ولو ترك التورية , وأطلق عبارة الكذب ، فليس بحرامٍ في هذا الحال ) اهـ .
أسأل الله أن يرينا جميعًا الحق حقًا , ويرزقنا اتباعه , وأن يرينا الباطل باطلًا , ويرزقنا اجتنابه .
و صلى الله على نبينا محمد , وآله , وسلم .
الجواب :
الحمد لله , والصلاة , والسلام على رسول الله , وعلى آله , ومن والاه , وبعد : فإن تحريم الكذب معلوم من الدين بالضرورة ، وهو من قبائح الذنوب وفواحش الأخلاق ، ويزداد قبحًا وفحشًا وإثمًا إذا أكد بالحلف ، غير أنه ليس محرمًا لذاته ؛ بل لما قد يترتب عليه من الضرر ؛ ولذا قد يتعين الكذب , ويتعين الحلف عليه إذا كان الضرر المترتب على تركه أعظم من المترتب على الصدق ، ولا حرج على من كذب , وحلف في هذه الحالة , قال الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى – محررًا هذه المسألة في كلام جميل طويل يحسن إيراد مقتطفات مهمة منه لشدة حاجتنا إليه في هذا الزمن :
}اعلم أن الكذب ليس حرامًا لعينه ؛ بل لما فيه من الضرر على المخاطب , أو على غيره.. ، قال ميمون بن مهران : ( الكذب في بعض المواطن خير من الصدق ، أرأيت لو أن رجلًا سعى خلف إنسان بالسيف ليقتله , فدخل دارًا فانتهى إليك فقال: أرأيت فلانًا ؟ ما كنت قائلًا ؟ ألست تقول : لم أره , وما تصدق به . وهذا الكذب واجب ) ، فنقول - ولايزال الكلام للغزالي - رحمه الله - : الكلام وسيلة إلى المقاصد , فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق , والكذب جميعًا ؛ فالكذب فيه حرام ، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق ؛ فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحًا ، وواجب إن كان المقصود واجبًا ، كما أن عصمة دم المسلم واجبة . فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب , ومهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بكذب ؛ فالكذب مباح ، إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه , وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة ، فيكون الكذب حرامًا في الأصل إلا لضرورة ، والذي يدل على الاستثناء ما روي عن أم كلثوم - رضي الله تعالى عنها - قالت : ( ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث : الرجل يقول القول يريد به الإصلاح ، والرجل يقول القول في الحرب ، والرجل يحدث امرأته , والمرأة تحدث زوجها ) . رواه مسلم – رحمه الله تعالى - ، وقالت أيضًا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرًا , أو نمى خيرًا ) . متفق عليه ..، فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء ، وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له , أو لغيره.. ، فللرجل أن يحفظ دمه , وماله الذي يؤخذ ظلمًا وعرضه بلسانه وإن كان كاذباً..، - إلى أن قال - رحمه الله - : ولكن الحد فيه أن الكذب محذور ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور . فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر ويزن بالميزان القسط ، فإذا علم أن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعًا في الشرع من الكذب ؛ فله الكذب ، وإن كان ذلك المقصود أهون من مقصود الصدق ؛ فيجب الصدق ، وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما ، وعند ذلك الميل إلى الصدق أولى ؛ لأن الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة . فإن شك في كون الحاجة مهمة ؛ فالأصل التحريم فيرجع إليه ، ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه ..{(إحياء علوم الدين ج 2 / ص 332 - 334 ) .
قلت : وإن اضطر الإنسان للكذب ؛ فينبغي أن يلجأ للتورية ما أمكنه ذلك , قال النووي - رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر جواز الكذب في حالة الاضطرار : ( والأحوط في هذا كله أن يوري ، ومعنى التورية : أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه ، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ، ولو ترك التورية , وأطلق عبارة الكذب ، فليس بحرامٍ في هذا الحال ) اهـ .
أسأل الله أن يرينا جميعًا الحق حقًا , ويرزقنا اتباعه , وأن يرينا الباطل باطلًا , ويرزقنا اجتنابه .
و صلى الله على نبينا محمد , وآله , وسلم .