فتاوى / الأيمان والنذور / حكم من حلف كذبا خوفا من الضرر

حكم من حلف كذبا خوفا من الضرر

تاريخ النشر : 2 جمادى أول 1437 هـ - الموافق 11 فبراير 2016 م | المشاهدات : 31226
مشاركة هذه المادة ×
"حكم من حلف كذبا خوفا من الضرر"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

نص الاستشارة

الشيخ/ حفظه اللّه . السؤال: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته . نود الاستفسار ياشيخ حياكم الله ، أنا موظف دولة وأعمل تحت رئيس لا يخاف الله فيما ائتمن عليه , كتزوير الفواتير وبعض المصاريف التى لم يجزها القانون عندنا هذا غير تصرفاته الغير أخلاقية مع السكرتيرة وما يترتب على هذه العلاقة من مصاريف وفواتير لإرضائها انتشر الأمر حتى حصل أن ابنه جاء مرة يسأل عن هذه العلاقة وكثيرا ما ورط من معه من مرؤسين فى العديد من التجاوزات ، والادارة العليا تعرف بعض التجاوزات وتغض النظر لعلاقاته ببعض مسئوليها وكذلك لعلاقاته مع مسئولين بالدولة ، عدمنا الوسيلة معه وقد جلست معه مع بعض الزملاء وتمت مصراحته بجميع سلوكياته حتى مجيء ابنه وسؤاله عن علاقته بالسكرتيرة ، وما زاده إلا ظلما تجاهنا فقمت بإرسال رسائل عبر الموبايل sms شارحا فيها عمليات الاختلاس والتجاوزات التى تحصل لأحد المسئولين بالإدارة والذى نسمع عنه الامانة والنزاهة علما بأننى استعملت شفرة موبايل من السوق السوداء حتى لا أعرف وأظلم . وقامت الدنيا على ما أرسل من معلومات للإدارة وجارى التفتيش وانتشر الخبر بين الزملاء وحصل الظن بأنني وآخرين ربما نكون الفاعلين منهم يرحب والمفسدين المستفيدين ينكرون ولأنني لا أضمن النتائج النهائية في اتخاد الإجراءات القانونية العادلة لما ذكر سابقا اضطررت إلى القسم بالله بصيغة والله العظيم لست الفاعل وأقسم بالله العظيم بأنني لست الفاعل وربما اضطر إلى القسم على المصحف لنفي ذلك.علما بأنني متأكد من صحة ما ذكرت والله وحده يعلم بذلك فجزاكم الله خيرا ماحكم الحلف والقسم الذي قسمت وحلفت به .

نص الجواب

الجواب :

 الحمد لله , والصلاة , والسلام على رسول الله , وعلى آله , ومن والاه ,  وبعد : فإن تحريم الكذب معلوم من الدين بالضرورة ، وهو من قبائح الذنوب وفواحش الأخلاق ، ويزداد قبحًا وفحشًا وإثمًا إذا أكد بالحلف ، غير أنه ليس محرمًا لذاته ؛ بل لما قد يترتب عليه من الضرر ؛ ولذا قد يتعين الكذب , ويتعين الحلف عليه إذا كان الضرر المترتب على تركه أعظم من المترتب على الصدق ، ولا حرج على من كذب , وحلف في هذه الحالة , قال الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى – محررًا هذه المسألة في كلام جميل طويل يحسن إيراد مقتطفات مهمة منه لشدة حاجتنا إليه في هذا الزمن :

}اعلم أن الكذب ليس حرامًا لعينه ؛ بل لما فيه من الضرر على المخاطب , أو على غيره.. ، قال ميمون بن مهران : ( الكذب في بعض المواطن خير من الصدق ، أرأيت لو أن رجلًا سعى خلف إنسان بالسيف ليقتله , فدخل دارًا فانتهى إليك فقال: أرأيت فلانًا ؟ ما كنت قائلًا ؟ ألست تقول : لم أره , وما تصدق به . وهذا الكذب واجب ) ، فنقول - ولايزال الكلام للغزالي - رحمه الله - : الكلام وسيلة إلى المقاصد , فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق , والكذب جميعًا ؛ فالكذب فيه حرام ، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق ؛ فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك القصد مباحًا ، وواجب إن كان المقصود واجبًا ، كما أن عصمة دم المسلم واجبة . فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب , ومهما كان لا يتم مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا بكذب ؛ فالكذب مباح ، إلا أنه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ، لأنه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه , وإلى ما لا يقتصر على حد الضرورة ، فيكون الكذب حرامًا في الأصل إلا لضرورة ، والذي يدل على الاستثناء ما روي عن أم كلثوم - رضي الله تعالى عنها -  قالت : ( ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث : الرجل يقول القول يريد به الإصلاح ، والرجل يقول القول في الحرب ، والرجل يحدث امرأته , والمرأة تحدث زوجها ) . رواه مسلم – رحمه الله تعالى - ، وقالت أيضًا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرًا , أو نمى خيرًا ) . متفق عليه ..، فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء ، وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له , أو لغيره.. ، فللرجل أن يحفظ دمه , وماله الذي يؤخذ ظلمًا وعرضه بلسانه وإن كان كاذباً..، - إلى أن قال - رحمه الله - : ولكن الحد فيه أن الكذب محذور ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور . فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر ويزن بالميزان القسط ، فإذا علم أن المحذور الذي يحصل بالصدق أشد وقعًا في الشرع من الكذب ؛ فله الكذب ، وإن كان ذلك المقصود أهون من مقصود الصدق ؛ فيجب الصدق ، وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما ، وعند ذلك الميل إلى الصدق أولى ؛ لأن الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة . فإن شك في كون الحاجة مهمة ؛ فالأصل التحريم فيرجع إليه ، ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد ينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه ..{(إحياء علوم الدين  ج 2 / ص 332 - 334 ) .

قلت : وإن اضطر الإنسان للكذب ؛ فينبغي أن يلجأ للتورية ما أمكنه ذلك ,  قال النووي - رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر جواز الكذب في حالة الاضطرار : ( والأحوط في هذا كله أن يوري ، ومعنى التورية : أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه ، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ، ولو ترك التورية , وأطلق عبارة الكذب ، فليس بحرامٍ في هذا الحال ) اهـ .

 أسأل الله أن يرينا جميعًا الحق حقًا , ويرزقنا اتباعه , وأن يرينا الباطل باطلًا , ويرزقنا اجتنابه .

و صلى الله على نبينا محمد , وآله , وسلم .

 
×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف