المكتبة المقروءة / آراء ومقالات / الغيث، أهميته وأسباب نزوله

الغيث، أهميته وأسباب نزوله

تاريخ النشر : 5 جمادى آخر 1439 هـ - الموافق 21 فبراير 2018 م | المشاهدات : 2344
مشاركة هذه المادة ×
"الغيث، أهميته وأسباب نزوله"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

بسم الله الرحمن الرحيم

                                                     الغيث، أهميته وأسباب نزوله

خطبة الجمعة الموافق   16/5/1439

الخطبة الأولى

الحمد لله ربِ العالمين، الرحمنِ الرحيم، مالكِ يوم الدين، لا إله إلا اللهُ يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا إله إلا اللهُ الولي الحميد، لا إله إلا الله المؤمَّلُ لكشف كلِ كربٍ شديد، لا إله إلا اللهُ المرجو للإحسان والمزيد، لا إله إلا اللهُ مجيبُ دعوةِ المضطرين، لا إله إلا الله فارجُ همِّ المهمومين، لا إله إلا الله مجزلُ النعمِ على جميع المخلوقين، أحمده سبحانه على نعمائه وأشكره على ترادف آلائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدُه ورسولُه، سيدُ الشاكرين ورسولُ رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا..

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تبارك وتعالى وأطيعوه، وتوبوا إليه واستغفروه. فإن تقوى الله أمان من الرزايا، وسلامة من البلايا، وعصمة من الفتن، ونجاة من المحن، فيها تفريج الهموم، وكشف الغموم، ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق:3).

عباد الله، نعمة من نعم الله، وآية من آياته، لا غنى للناس عنها، هي مادة حياتهم، وعنصر نمائهم، وسبب بقائهم، منها يشربون ويسقون، ويحرثون ويزرعون، ويرتوون ويأكلون، تلكم ـ يا رعاكم الله ـ هي نعمة الماء والمطر، وآية الغيث والقطر ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنبياء:30)، ﴿وَهُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء طَهُوراً  لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـٰماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً  وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً﴾ (الفرقان:48-50)

ومع هذا فأكثر الناس لا يَقدرها حق قدرها ولا يوليها العناية اللازمة لها؛ فمع الإسراف والإهدار الكبير لها لا يبالون بتأخر نزول المطر الذي هو أهم مصادرها، ولا يفتشون عن أسباب ذلك، وإذا تحدث العلماء عن هذه النعمة وأهمية العناية بها لا يلقون لحديثهم بالا ولا يصغون له سمعا، ويخرج الناس للمصليات بين الفينة والأخرى يستسقون وبين يدي ربهم في وجل وخوف يتضرعون، وهؤلاء في بيوتهم آمنين ، وعلى فرشهم يتقلبون ، وكأن الأمر لا يعنيهم.. أي قلوب يحملها هؤلاء؟ وأي عقول يفكرون بها؟ .. أوَ غرهم قرب صنابير المياه من أيديهم وانتشارها في بيوتهم، وتيسر حصولهم على الماء دون عناء؟!! إن القادرَ على منع الأمطار قادرٌ على تغوير مياه الآبار فلا يستطيع الناس الوصول إليها ؛ قال جل وعلا مخوفاً عباده من ذلك:﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ (الملك:30)، وإن القادر على منع الأمطار قادر على قلب المياه العذبة الموجودة في الآبار وغيرها لتصبح أُجاجا شديدة الملوحة قال تعالى:﴿أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ (الواقعة:68-70).

ألا فلنستيقظ يا عباد الله ونقدر هذه النعمة حق قدرها ونشكر ربنا على تفضله بها علينا.. قبل أن يحل بنا تهديده ويقع علينا وعيده..

أيها المسلمون: إذا أدركنا عظم نعمة الإمطار وخطورة تأخرها فضلا عن منعها بالكلية وجب علينا أن نبحث عن أسباب تأخرها ومنعها لاجتنابها ، وأسباب جلبها وحصول بركتها للأخذ بها..، ولقد بين القرآن والسنة هذه الأسباب بجلاء ووضوح ؛ قال تعالى:﴿وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ﴾ (الشورى:30)، ويقول سبحانه: ﴿ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم:41)؛ وعن ابن عمر-رضي الله عنه- قال: أقبَل علينا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال :"يا معشرَ المهاجرين، خمسٌ إذا ابتُليتم بهنّ وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحِشة في قومٍ قطّ حتى يعلِنوا بها إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضَت في أسلافهم، ولم ينقُصوا المكيالَ والميزان إلاّ أخِذوا بالسِّنين وشدَّة المؤونةِ وجَور السلطان عليهم، ولم يمنَعوا زكاة أموالهم إلاّ منِعوا القطرَ من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، رواه ابن ماجه وصححه الحاكم.

عباد الله: إن الذنوب والمعاصي ما حلَّت في قلوب إلا أظلمتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولا في ديار إلا أهلكتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها، فما من شر وبلاء في الدنيا والآخرة إلا وسببه الذنوب والمعاصي؟!"؛ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- (وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتُ فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ) . وقال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بنى آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول: هذا بشؤم معصية ابن ادم ".

وإن ذنوبنا ـ يا عباد الله ـ كثيرة وظلمنا عظيم، وإن تقصيرنا شديد وكبير؛ ألم تظهر المنكرات وتعمّ المحرمات وتنتشر الموبقات في كثير من المجتمعات؟! أما طاش ميزان الصلاة عند كثير من الناس وهي ثاني أركان الإسلام؟! أما بخل كثير من الناس بالزكاة المفروضة وألهاهم التكاثر والتنافس في الأموال عن إخراج حق الله فيها؟! ألم تكثر الموبقات والجرائم ؛ من الزنا والربا وشرب الخمور والمسكرات وتعاطي المخدرات في كثير من المجتمعات؟! ألم يتفش ظلم العباد وغشهم ومطلهم حقوقهم وبخسهم في المكاييل والموازين والمقاييس وينتشر بين صفوف كثير من المسلمين وفي أسواقهم ومعاملاتهم؟! أما مُلئت بعض قلوب ضعاف النفوس بالحسد والشحناء والحقد والبغضاء؟! ألم تنتشر مظاهر التبرج والسفور والاختلاط في كثير من المجتمعات وهي من أكبر دواعي الفساد ، كل هذا وغيره كثير – يا عباد الله - مع تقصيرنا الظاهر في القيام بواجب الدعوة إلى الله والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو قوام هذا الدين، وبه نالت هذه الأمة الخيرية على العالمين؟! فأين الغيرة الإسلامية؟! وأين الحمية الدينية؟! فرحماك ربنا رحماك، وعفوك يا مولانا، وعافيتك يا الله، قال بعض السلف-رحمه الله-: (أنتم تستبطئون نزول الغيث، وأنا أستبطئ نزول الحجارة من السماء).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بما كانوا يكسبون﴾ ( الأعراف:96) بارك الله لي ولكم في القرآن..

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه ..

أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أسباب نزول المطر بعد تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب معاصيه : كثرة الاستغفار ؛ قال سبحانه عن نوح عليه الصلاة والسلام: ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾(نوح:10-12)، ومن الأسباب بل من أعظمها دعاءُ الله وسؤالُه والإلحاحُ عليه فإن ربَكم قريبٌ مجيب لا يخلف الميعاد ؛ وقد قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾(غافر:60)وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ المَالُ، وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قَالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَفِي الغَدِ، وَمِنْ بَعْدِ الغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ - أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا» قَالَ: فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ، حَتَّى صَارَتِ المَدِينَةُ فِي مِثْلِ الجَوْبَةِ (فتح الباري لابن حجر (2/ 506) وَالْجَوْبَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْحُفْرَةُ الْمُسْتَدِيرَةُ الْوَاسِعَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْفُرْجَةُ فِي السَّحَابِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالْجَوْبَةِ هُنَا التُّرْسُ)حَتَّى سَالَ الوَادِي، وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا، قَالَ: فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ) رواه البخاري ومسلم-رحمهما الله- هكذا أيها المسلمون قدرة الرب الكبير المتعال وهكذا آية للرسول صلى الله عليه وسلم النبي المختار لم ينزل من منبره حتى تحادر المطر من لحيته وبقي المطر أسبوعاً كاملا.. لا إله إلا الله ؛نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا عبده ورسوله،

عباد الله: إن القادر على مثل هذا في عهد نبيه صلى الله عليه وسلم قادر على أن يكون مثل هذا في عهدنا

ألا فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واستغفروه وارجعوا إليه وادعوه بألسنة صادقة، وقلوب حاضرة، وأحسنوا الظن به، وأعظموا الرغبة فيما عنده، أظهروا الفاقة والحاجة والذل له والانكسار بين يديه، وتحينوا أوقات الإجابة، ولا تيأسوا ولا تستحسروا ولا تستبطئوا الإجابة فإن  استبطاء الإجابة من موانع القبول، وارحموا خلقه وأحسنوا إليهم، ولا تقنطوا من رحمة ربكم  فإن فرجه قريب؛ يقول سبحانه: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ،وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ (الأعراف:55-58).

اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين ، اللهم أعنا على ذكرك..صلوا بعد هذا وسلموا..

اعداد: أ.د. محمد المحيميد 16/5/1439

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف