أحكام اللباس
المتخذ مما حرم أكله من الحيوانات
تأليف
أ0د. محمد بن عبدالله بن محمد المحيميد
الأستاذ في قسم الفقه في كلية الشـريعة
والدراسات الإسلامية في جامعة القصـيم
الـمقدمــــــة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشـرف الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فقد كرم الله تعالى بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق، وسخر لهم ما في السماوات والأرض؛ ليعينهم على البقاء في الأرض وعمارتها، وتحقيق الهدف من خلقهم، وهو عبادته ـ.
ومن أعظم ما سخر لهم سبحانه ألبسة يتخذونها من جلود الحيوانات وغيرها، تستر عوراتهم، وتحفظ أبدانهم، ويتجملون بها لبعضهم، قال تعالى: *ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ&([1])، وقال سبحانه: *ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&([2]).
وقد بين لهم ـما يحل لهم منها وما يحرم.
ولقد توسع الناس في هذا الزمن فيما يتخذونه من الحيوانات لألبستهم وزينتهم، من الشَّعْر وَالصُّوف، وَالْـوَبَر وَالرِّيش، وَالْـعَظْم وَالْـقَرْن، وَالسِّنّ والظُفُر، وَالظِّلْف والخُف، والحَافِر وَالْـعَصَب، والمُصْـران، وغيرها. وهذا بفضل ما يسـر الله لهم من الوسائل التي تمكنهم من اقتنائها ونقلها، والسـيطرة على المتوحش منها من السباع وغيرها، وتصنيع ما يتخذونها منها، واستعماله في اللباس وغيره.
وبما أنه قد اختلط الكفار بالمسلمين في كثير من الدول، وشاع التعامل بينهم، واعتمد كثير من المسلمين في صناعة ألبستهم وغيرها على الكفار فإن هذا الأمر يحتم بيان وتفصـيل ما يحل منها وما يحرم على المسلمين؛ وذلك نظرًا لكثرة الأسئلة عن أحكام اللباس المتخذ من الحيوانات المحرم أكلها.
ومن هنا جاء هذا البحث الموسوم بـ(أحكام اللباس المتخذ مما حرم أكله من الحيوانات)؛ لعله يساهم في الإجابة على بعض الأسئلة التي تطرح في هذا الجانب الهام من جوانب الفقه الإسلامي، وذلك من خلال جمع أقوال العلماء في هذه المسألة، وعرض أدلتهم، وأوجه الاستدلال منها، وما ورد عليها من مناقشات أو اعتراضات، والإجابات عليها. ومن ثم أجتهد في بيان الراجح من هذه الأقوال، ملتزمًا منهج البحث العلمي المتبع.
وقد قسمت هذا البحث إلى ما يلى:
التمهيد،وتحته مطلبان:
المطلب الأول: المقصود باللباس.
المطلب الثاني:المقصود بما حرم أكله من الحيوانات.
المبحث الأول: أحكام جلود ما حرم أكله من حيث الطهارة والنجاسة،وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:جلود ما مات حتف أنفه ولم يدبغ.
المسألة الثانية:ما دبغ من جلود ما مات حتف أنفه.
المسألة الثالثة:جلود ما ذكي منها ولم يدبغ.
المبحث الثاني: حكم ما سوى الجلود مما يمكن استعماله في اللباس من حيث الطهارة والنجاسة وجواز الانتفاع بها،وتحته مطلبان:
المطلب الأول:المتخذ منها من الخنزير.
المطلب الثاني: المتخذ مما سوى الخنزير.
المبحث الثالث: حكم الانتفاع بما يتخذ مما حرم أكله من الحيوانات في اللباس،وتحته مطلبان:
المطلب الأول:حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود، وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود غير المدبوغة مما مات حتف أنفه.
المسألة الثانية:حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود غير المدبوغة مما ذكي.
المسألة الثالثة: حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود المدبوغة مما مات حتف أنفه.
المطلب الثاني:حكم الانتفاع بما يتخذ مما حرم أكله من الحيوانات في اللباس، وتحته فرعان:
الفرع الأول: حكم لبس ما اتخذ أو صنع من الجلود.
الفرع الثاني: حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع مما سوى الجلود مما يمكن استعماله في اللباس، (من الشَّعْر، وَالصُّوف، وَالْـوَبَر، وَالرِّيش، وَالْـعَظْم، وَالْـقَرْن، وَالسِّنّ، والظُفُر، وَالظِّلْف، والخُف، والحَافِر، وَالْـعَصَب، والمُصْـران، والكِرْش، والمثانة).
الخاتمة،وتتضمن خلاصة لحكم الانتفاع بما يتخذ ويصنع مما حرم أكله من الحيوانات في اللباس.
فهرس المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات.
أسأل الله أن يجعل هذا البحث خالصًا لوجهه الكريم، ونافعًا لعباده المؤمنين؛ إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
محمد بن عبدالله بن محمد المحيميد
1437هـ
التمهيد
بيان المقصود بالعنوان
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: المقصود باللباس.
المطلب الثاني: المقصود بما حرم أكله من الحيوانات.
المطلب الأول
المقصود باللباس
اللِّبَاسُ مِن المُلاَبَسَةِ، أَي: الاخْتِلاطُ والاجْتِمَاعُ، وَمن المَجَازِ قولُه تعالَى: *ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ&([3]). قيل: هُوَ الإِيمانُ. قالَه السُّدِّيُّ. أَو الحَيَاءُ. وَقد لبِسَ الحيَاءَ لِبَاسًا: إِذا إسْتَتَر بِهِ. نقلَه ابنُ القَطّاع.
وَقيل: هُوَ العَمَلُ الصالحُ، أَو سَتْرُ العَوْرَةِ، وَهُوَ سَتْرُ المُتَّقِين، وإِليه يُلْمِحُ قولُه تَعالَى: *ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ&([4]). مما يَدُلُّ عَلَى أَنّ جُلَّ المَقْصِدِ منِ اللِّبَاسِ سَتْرُ العَوْرَةِ، وَمَا زادَ فتَحَسُّنٌ وتَزَيُّنٌ، إِلاّ مَا كَانَ لِدَفْع حَرٍّ وبَرْدٍ.
وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة كل مِنْهُمَا لِبَاس للْآخر، وَفِي التَّنْزِيل الْـعَزِيز: *ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ&([5]).
ولباس كل شَـيْء غشاؤه، و"لِبَاس النُّور": أكمته، و"لِبَاس التَّقْوَى": الْـإِيمَان أَو الْـحيَاء أَو الْـعَمَل الصَّالح.
واللباس -بكسـر اللام-: ما يستر الجسم، أو ما يلبس من كسوة. جمعه ألبسة.
ويقال: لبس الثوب لبسًا، وتلبّس بلباس حسن، ولباسًا حسنًا، وعليه ملبس بهيٌّ، ولبوس من ثوب أو درع، وعليهم ملابس ولبس([6]).
والمقصود هنا:ما يستر الجسم، أو يغطي بعض أعضائه، نحو أغطية الرأس، أو ما تستر به اليدين أو الرجلين، وما يتخذ من الأحذية والخفاف، وكذا ما يتخذ من الحلي ووسائل التزين التي يجمل بها البدن.
المطلب الثاني
المقصود بما حرم أكله من الحيوانات
يقصد بما حرم أكله من الحيوانات ما يلي:
1-ما سوى مباح الأكل من الحيوانات، كالفيل والقرد والخنزير والحمر الأهلية والبغال، وكذلك سباع البهائم، مثل: الأسد والفهد والنمر وَالذِّئْب والدب والقرد والفيل والتمساح، ونحوها مما له ناب يفترس به، وكذلك سباع الطير، مثل: النسـر والصقر والبازي والحدأة، ونحوها مما له مخلب.
2-ما مات حتف أنفه أو بذكاة غير شـرعية من مباح الأكل من الحيوانات.
المبحث الأولأحكام جلود ما حرم أكله
من حيث الطهارة والنجاسة
وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: جلود ما مات حتف أنفه ولم يدبغ.
المسألة الثانية: ما دبغ من جلود ما مات حتف أنفه.
المسألة الثالثة: جلود ما ذكي منها ولم يدبغ.
المسألة الأولى
جلود ما مات حتف أنفه ولم يدبغ
لا خلاف بين الفقهاء في نجاسة جلود ما مات حتف أنفه من الحيوانات ولم يدبغ([7]).
واستدلوا بما يلي:
1-عـن عبدالله بن عباس بقال: سمـعت رسول الله ^يقول: «إذا دبغ الإهاب([8])فقد طهر»([9]).
2-عَنِ ابن عباس أيضًا بقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ^يَقُولُ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»([10]).
ووجه الدلالة:
أن قوله ^: «إذا دبغ الإهاب» يقصد به ما لم يكن طاهرًا من الأهب، كجلود الميتات؛ لأن الطاهر لا يحتاج إلى الدباغ للتطهير؛ إذ من المحال أن يقال في الجلد الطاهر: إذا دبغ فقد طهر.
وفي قوله ^: «فقد طهر» دليل على أن كل إهاب لم يدبغ ليس بطاهر، وإذا لم يكن طاهرًا فهو نجس([11]).
المسألة الثانية
ما دبغ من جلود ما مات حتف أنفه
وقد اختلفوا فيها على أقوال، كما يلي:
القول الأول: أنها تطهر بالدباغ مطلقًا، حتى الكلب والخنزير.
وإليه ذهب الظاهرية([12])، والليث بن سعد([13])، وأبويوسف من الحنفية([14])-رحمهما الله-.
واستدلوا بما يلي:
1-عـن عبدالله بن عباس بقال: سمـعت رسول الله ^يقول: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»([15]).
2-عن سلمة بن المحبق الهذلي اأن النبي ^قال: «دباغ الأديم ذكاته»([16]).
3-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ^يَقُولُ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»([17]).
4-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ ^يَتَوَضَّأُ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «دِبَاغُهُ يُذْهِبُ خَبَثَهُ، أَوْ رِجْسَهُ، أَوْ نَجَسَهُ»([18]).
ووجه الدلالة:
أن لفظ «الإهاب» و«الأديم» وقوله: «أيما إهاب» ألفاظ عامة، ولم يخص شـيئًا منها، فتدخل فيها أهب وأدم الحيوانات كلها، بما في ذلك الكلب والخنزير([19]).
قال ابن بطال /: (وحجة القول الأول الذى عليه الجمهور: أنه معلوم أن قوله ^: «إذا دبغ الإهاب» هو ما لم يكن طاهرًا من الأهب، كجلود الميتات، وما لم تعمل فيه الذكاة من الدواب والسباع؛ لأن الطاهر لا يحتاج إلى الدباغ للتطهير. ومحال أن يقال في الجلد الطاهر: إذا دبغ فقد طهر.
وفي قوله ^: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» نص ودليل. فالنص منه طهارة الإهاب بالدباغ. والدليل منه أن كل إهاب لم يدبغ فليس بطاهر، وإذا لم يكن طاهرًا فهو نجس، والنجس محرم. وإذا كان ذلك كذلك كان هذا الحديث مبينًا لحديث ابن عباس([20])، وبطل بنصه قول من قال: إن جلد الميتة لا ينتفع به بعد الدباغ)([21]).
ونوقش بما يلي:
أولًا:إن في قصة هذه الأحاديث دلالة على أنه في جلد ما يؤكل لحمه([22]).
ويمكن الإجابة عن ذلك:بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ثانيًا: لو سلمنا بالعموم فقد خصـص بما يلي:
1-بالنسبة لجلود السباع خصص بالأحاديث التالية:
- عَنْ أَبِي الْـمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ الهذلي عَنْ أَبِيهِ ا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ»([23]).
- وَفَد الْـمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِيَكْرِبَ اعَلَى مُعَاوِيَةَ افقَالَ لَهُ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ لُبُوسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»([24]).
ووجه الدلالة من الحديثين:أن هذا النهي عام في المدبوغ من جلود السباع وغير المدبوغ([25]).
وأجيب على ذلك بأجوبة، منها:
أ- بأن غَايَةَ مَا فِيهَما مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَافْتِرَاشِهَا، وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ، كَمَا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الذَّهَبِ وَالْـحَرِيرِ وَنَجَاسَتِهِمَا([26]).
قال في شـرح مشكل الآثار: (قَالَ أَبُوجَعْفَرٍ: وَكَانَ فِيمَا قَدْ رُوِّينَاهُ فِي الْـبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْـبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ^مِنْ قَوْلِهِ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» مَا قَدْ عَمَّ بِهِ الْـأُهُبَ كُلَّهَا، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جُلُودُ السِّبَاعِ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّا قَدْ عَمَّهُ رَسُولُ اللهِ ^بِذَلِكَ الْـقَوْلِ إِلَّا بِمَا يُوجِبُ لَهُ إخْرَاجُهُ بِهِ، مِنْ آيَةٍ مَسْطُورَةٍ، وَمِنْ سُنَّةٍ مَأْثُورَةٍ، وَمِنْ إجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْـعِلْمِ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ بِهِ دُخُولُ جُلُودِ السِّبَاعِ فِي الْـأُهُبِ الَّتِي تَجِبُ طَهَارَتُهَا بِالدِّبَاغِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي جَاءَ فِي الْـآثَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا فِي هَذَا الْـبَابِ عَنِ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِالدِّبَاغِ الَّذِي فُعِلَ بِهَا، وَلَكِنْ لِمَعْنًى سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ رُكُوبُ الْـعَجَمِ عَلَيْهَا، لَا مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَمِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ امِمَّا حَكَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ^«مِنْ نَهْيِهِ عَنِ الْـخَزِّ، عَنْ رُكُوبٍ عَلَيْهِ، وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَيْهِ»([27]). فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ مِنْهُ عَنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْـمَعْمُولَةِ مِنْهُ. وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَقَدْ لَبِسَ الْـخَزَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ^وَمِنْ تَابِعِيهِمْ مَنْ قَدْ لَبِسَهُ، وَجَرَى النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا؟!
وَإِذَا كَانَ لُبْسُهُ مُبَاحًا وَالرُّكُوبُ عَلَيْهِ مَكْرُوهًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْـكَرَاهَةَ لِلرُّكُوبِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، لَا لِمَا سِوَاهُ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ نَهْيُ رَسُولِ اللهِ ^أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ أَسْفَلَ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْـأَعَاجِمِ، أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا أَمْثَالَ الْـأَعَاجِمِ([28])، مَعَ إبَاحَتِهِ أَعْلَامَ الْـحَرِيرِ فِي الثِّيَابِ الَّتِي مَقَادِيرُهَا أَكْثَرُ مِنْ مَقَادِيرِ الْـحَرِيرِ الَّذِي فِي هَذَيْنِ الْـمَعْنَيَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ الْـحَرِيرَ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ لِلتَّشْبِيهِ بِالْـعَجَمِ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ فِيهِ، وَفِيمَا يَلْبَسُونَ ثِيَابَهُمْ عَلَيْهِ)([29]).
ب- أن النهي عن افتراش جلود السباع إنما كان لكونها لا يزال عنها الشعر في العادة؛ لأنها إنما تقصد للشعر، كجلد الفهد والنمر. فإذا دبغت بقي الشعر نجسًا؛ فإنه لا يطهر بالدبغ على المذهب الصحيح. فلهذا نهي عنها([30]).
ج- أن النهي محمول على ما قبل الدبغ([31]).
واعترض على هذا:بأنه ضعيف؛ إذ لا معنى لتخصـيص السباع حينئذ، بل كل الجلود في ذلك سواء([32]).
وأجيب عن هذا الاعتراض:بأنها خصت بالذكر؛ لأنها كانت تستعمل قبل الدبغ غالبًا أو كثيرًا([33]).
2-أما بالنسبة لجلد الخنزير فقد خصص بقول الله تعالى: *ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&([34]).
فإن الضَّمِيرُ في قوله: *ﮮ ﮯ&رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو الخنزير.
وعلى هذا فَالْـخِنْزِيرُ كُلُّهُ رِجْسٌ. وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: الْـقَذَرُ، فَكَمَا أَنَّ الْـعَذِرَةَ لَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ فَكَذَلِكَ الْـخِنْزِيرُ؛ لِأَنَّه سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ وَلَحْمِ الْـمَيْتَةِ، وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ التَّطْهِيرَ، فَكَذَلِكَ هُوَ([35]).
كما أن الرِّجْس وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ؛ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: *ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ&([36]). فَكَانَ وُجُودُ الدِّبَاغِ -فِي حَقِّهِ- وَالْـعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ([37]).
ونوقش:
بعدم التسليم بأن الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو الخنزير، بل هو راجع إلى كل واحد من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، فكلها رجس، أي: نجس. ويكون هذا تعليلًا لقوله: *ﮠ&. فبين بذلك أن هذه الأشـياء حرام؛ لأنها نجسة؛ لأنه لو لم يذكر *ﮮ ﮯ&لما كان يلزم من صدر الكلام النجاسة لهذه الأشـياء؛ لأن الحرمة لا تستلزم النجاسة.
وعلى هذا يلزم اقتصار النجاسة في الخنزير على لحمه؛ لأن الله تعالى قال: *ﮡ ﮢ ﮣ&. والطعم لا يكون إلا في اللحم دون غيره. وعلى هذا يجوز استعمال جلده بعد الدباغ، واستعمال شعره([38]).
قلت:يؤيده على أن السـياق في المطعومات حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ: مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَاتَتْ فُلانَةُ -يَعْنِي: الشَّاةَ- فَقَالَ: «فَلَوْلا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا»! فَقَالَتْ: نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ^: «إِنَّمَا قَالَ اللهُ Q:*ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ&فَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ، إِنْ تَدْبُغُوهُ، فَتَنْتَفِعُوا بِهِ». فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا، فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا، فَدَبَغَتْهُ، فَأَخَذَتْ مِنْهُ قِرْبَةً، حَتَّى تَخَرَّقَتْ عِنْدَهَا([39]).
وعلى التسليم بأن الكل رجس فإن دباغه يذهب ذلك كما صـرح به في حديث ابن عباس بونصه: أَرَادَ النَّبِيُّ ^يَتَوَضَّأُ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «دِبَاغُهُ يُذْهِبُ خَبَثَهُ، أَوْ رِجْسَهُ، أَوْ نَجَسَهُ». وهو حديث صحيح. وقد تقدم تخريجه([40]).
ثالثًا:أن جلد ما لا يؤكل لحمه لا يسمى إهابًا([41]).
وأجيب عن ذلك:
1-أن هذا خلاف لغة العرب؛ فقد جعلت العرب جلد الإنسان إهابًا([42]).
2-أنه جلد حيوان طاهر، فأشبه المأكول([43]).
ويمكن أن يناقش:بعدم التسليم بطهارة السباع.
القول الثاني: أنها تطهر بالدباغ، ما عدا الخنزير.
وإليه ذهب جمهور الفقهاء([44])، ومنهم الحنفية([45])؛
وهو رواية عن الإمام مالك /، وعليها أكثر أصحابه([46]).
وروي ذلك عن جابر بن عبدالله ا([47]).
واستدلوا بنفس أدلة القول الأول على قولهم بأنها تطهر بالدباغ.
واستدلوا على إخراج الخنزير بقولهم:
1-لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَيْسَتْ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ وَالرُّطُوبَةِ، بَلْ هُوَ نَجِسُ الْـعَيْنِ؛ لقول الله تعالى: *ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&([48]).
فإن الضَّمِيرُ في قوله: *ﮮ ﮯ&رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو الخنزير. وعلى هذا فَالْـخِنْزِيرُ كُلُّهُ رِجْسٌ. وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ الْـقَذَرُ، فَكَمَا أَنَّ الْـعَذِرَةَ لَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ فَكَذَلِكَ الْـخِنْزِيرُ؛ لِأَنَّه سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ وَلَحْمِ الْـمَيْتَةِ، وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ التَّطْهِيرَ، فَكَذَلِكَ هُوَ([49]).
كما أن الرِّجْس وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ؛ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: *ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ&([50]). فَكَانَ وُجُودُ الدِّبَاغِ -فِي حَقِّهِ- وَالْـعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ([51]).
وقد تقدمت مناقشة هذا الاستدلال ضمن أدلة القول الأول.
2-أنَّ جِلْدَهُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ؛ لِأَنَّ لَهُ جُلُودًا مُتَرَادِفَةً، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كَمَا لِلْآدَمِيِّ([52]).
قلت:ويمكن مناقشته:
بأنه تعليل في مقابلة النص، وهو قوله ^: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر». وغيره من الأحاديث المذكورة في أدلة القول الأول، وهي عامة في كل إهاب.
القول الثالث: أنها تطهر بالدباغ، ما عدا الخنزير والكلب.
وهو رواية في مذهب الحنفية([53])؛
وإليه ذهب الشافعية([54])، وقول في مذهب الحنابلة([55]).
واستدلوا بنفس أدلة القول الثاني في أنها تطهر بالدباغ ما عدا الخنزير.
وأخرجوا الكلب محتجين بما يلي:
1-أن الكلب نجس العين؛ لما روى أبوهُرَيْرَةَ اقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ^: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْـكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»([56]).
وَجْهُ الدَّلَالَةِ:
أَنَّ الْـمَاءَ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ؛ لِمَا فِيهَ مِنْ إتْلَافِ الْـمَالِ الْـمَنْهِيِّ عَنْ إضَاعَتِهِ.
وَأَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ، وَلَا حَدَثَ عَلَى الْـإِنَاءِ، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ النَّجَسِ. فَثَبَتَ نَجَاسَةُ فَمِهِ، وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْـحَيَوَانِ نَكْهَةً؛ لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ، فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى([57]).
ونوقش:
بأن الأمر بالغسل والإراقة ليس لعلة النجاسة، وإنما لعلة تعبدية -الله أعلم بها-، أو لغيرها([58]).
قال في مواهب الجليل: (وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ كَوْنَ الْـمَنْعِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْـكَلْبُ كَلْبًا، فَيَكُونَ قَدْ دَاخَلَ مِنْ لُعَابِهِ الْـمَاءَ مَا يُشْبِهُ السُّمَّ.
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ: تَحْدِيدُهُ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّ السَّبْعَ مِنْ الْـعَدَدِ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ التَّدَاوِي، لَا سِـيَّمَا فِيمَا يُتَوَقَّى مِنْهُ السُّمُّ، وَقَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ ^: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ»([59]). وَقَالَ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُـرَّهُ ذَلِكَ الْـيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ»([60]).
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرُدَّ عَلَيْهِ بِنَقْلِ الْـأَطِبَّاءِ أَنَّ الْـكَلْبَ يَمْتَنِعُ مِنْ وُلُوغِ الْـمَاءِ.
وَأَجَابَ حَفِيدُهُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ الْـكَلْبُ، أَمَّا فِي أَوَائِلِهِ فَلَا). اهـ([61]).
قلت:وقد ذكر بعض المعاصـرين: أنه تم التوصل من خلال التحليلات المختبرية إلى ما يوافق هذا القول([62]).
2-أن نَجَاسَةُ الْـكَلْبِ لَازِمَةٌ، لَا طَارِئَةٌ فَلَا تطْهُرُ بِالْـمُعَالَجَةِ، كَالْـعُذْرَةِ وَالدَّمِ([63]).
3-أَنَّ الْـحَيَاةَ أقوى في التطهير من الدباغة؛ لتطهيرها جَمِيعَ الْـحَيَوَانِ حَيًّا، وَاخْتِصَاصُ الدِّبَاغَةِ بِتَطْهِيرِ جِلْدِهَ منفردًا. فلما لم تؤثر الْـحَيَاةُ فِي تَطْهِيرِ الْـكَلْبِ فَالدِّبَاغَةُ أَوْلَى أَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي تَطْهِيرِ جِلْدِهِ([64]).
واعترض على هذه الأدلة بما يلي:
1- بعدم التسليم بأن الكلب نجس([65]).
2-قياس الكلب على البغل والحمار، فكما أنه يطهر جلدهما بالدباغ، فكذلك جلد الكلب([66]).
ونوقش:
القياس على البغل والحمار قياس مع الفارق؛ فالبغل والحمار طاهران وهما حيان، بخلاف الكلب، فهو نجس العين حتى في حال الحياة([67]).
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة:بعدم التسليم بنجاسة الكلب؛ لما مر من الأدلة.
3-أن الانتفاع به مباح، ولو كانت عينه نجسة لما أبيح الانتفاع به([68]).
القول الرابع: أنها لا تطهر بالدباغ مطلقًا.
وإليه ذهب بعض المالكية([69])، وهو المشهور من مذهب الحنابلة([70]).
وممن قال بهذا القول الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق وأبوثور
ويزيد بن هارون([71])-رحمهم الله-.
وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب، وابنه، وعائشة، وعمران بن حصـين([72])ي.
واستدلوا بما يلي:
1-قوله تعالى: *ﭑ ﭒ ﭓ&([73]).
ووجه الدلالة:
أن الآية عامة فتشمل جميع أجزاء الميتة من جلد وغيره([74]).
ونوقش:
بأن العموم في الآية خصصته السنة بعدد من الأحاديث الصحيحة ([75]). وقد ذكرنا بعضها في أدلة القول الأول.
2-حديث عبدالله بن عكيم: أتانا كتاب رسول الله ^قبل موته بشهر: «أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»([76]).
ووجه الدلالة:
أن النهي عام، فيشمل المدبوغ وغير المدبوغ، مما يحل أكله ومما يحرم.
وكذلك فهو آخر الأمرين عن النبي ^، فيكون ناسخًا لما قبله([77]).
ونوقش بما يلي:
(1) إن الحديث مضطرب الإسناد، وسبب الاضطراب: أنّه روي أن الكتاب أتاهم قبل موته بشهر، وفي رواية: بشهرين، وفي أخرى: بأربعين يومًا([78]).
وأجيب:بأن الاضطراب مردود؛ حيث سمع ابن عكيم الكتاب يقرأ، وسمعه من مشايخ من جهينة عن النبي ^، فلا اضطراب([79]).
(2) إن الحديث مرسل، فابن عكيم ليس بصحابي([80]).
وأجيب:
إن الحـديث صحيـح. والإرسال في هـذا لا يضـر؛ لأن كـتابه ^كلفظه([81]).
(3) إن الحديث روي عن مشـيخة مجهولين، لم تثبت صحبتهم([82]).
وأجيب:
إن هؤلاء الأشـياخ من الصحابة، وعليه فلا يضـر الجهل بأسمائهم([83]).
(4) على التسليم بصحته فإن محمول على الجلد قبل الدباغ؛ جمعًا بينه وبين الأحاديث الصحيحة؛ لأن الإهاب عند أهل اللغة يقصد به الجلد قبل الدباغ، فإذا دبغ لا يسمى إهابًا([84]).
3- ما رواه سلمة بن المحبق الهذلي اأن النبي ^قال: «دباغ الأديم ذكاته»([85]).
ووجه الدلالة:
قالوا: شَبَّهَ الدَّبْغَ بِالذَّكَاةِ. وَالذَّكَاةُ إنَّمَا تُعْمَلُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ([86]).
ونوقش:
بعدم التسليم بأن الذكاة لا تعمل إلا في مأكول اللحم خاصة، بل تعمل فيه وفي غيره. ويستغنى بها عن الدباغ([87]).
القول الخامس: أنها تطهر طهارة غير كاملة.
فينتفع بها إذا دبغت في الجلوس عليها والعمل، والامتهان في الأشـياء اليابسة، كالغربلة وشبهها، ولا تباع، ولا يتوضأ فيها، ولا يصلى عليها.
وهذا قول للإمام مالك /، وعليه بعض أصحابه([88]).
وحجتهمفي عدم جواز الوضوء فيها والصلاة عليها وبيعها:
1-ما سبق من حديث عبدالله بن عكيم: أتانا كتاب رسول الله ^قبل موته بشهر: «أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»([89]).
2- ما روي عن القاسم بن محمد /أنه قال لعائشة ل: «ألا نجعل لك فروًا تلبسـينه؟ قالت: إني لأكره جلود الميتة. قال: إنا لا نجعله إلا ذكيًا. فجعلناه، فكانت تلبسه»([90]).
3- ما روي عن ابن عمر ب: «أنه كان لا يلبس إلا ذكيًا»([91]).
واعترض على هذا: بما سبق من قوله ^: «أيما إهاب دبغ فقد طهر».
ورد هذا الاعتراض:
بحمل الطهارة في الحديث على الطهارة اللغوية، وهي النظافة، لا الطهارة الحقيقية([92]).
- وحجتهم في تجويز الانتفاع بها في بعض الأشـياء:
أن النبي ^أهدى حلة من حرير لعمر ا، وقال: «لم أعطكها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها»([93]).
ووجه الدلالة:
قالوا: أباح له ^التصـرف في الحلة في بعض الوجوه، فكذلك جلد الميتة يجوز الانتفاع به في بعض الوجوه دون بعض([94]).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم-: القول الأول، القائل بطهارة جلود الحيوانات بالدباغ مطلقًا، بما في ذلك جلد الكلب والخنزير؛ لقوة أدلته، وورود المناقشة على أدلة المخالفين.
ولأن الجلد يخرج عَنْ حُكْمِ الحيوان بَعْدَ الدِّبَاغِ، ويصـير بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ وَالْـخَشَبِ([95])، فيخرج من التَّحْرِيمَ الوارد في شأن الميتة وما يحرم أكله من الحيوانات.
المسألة الثالثة
جلود ما ذكي منها ولم يدبغ
اختلف العلماء فيها على قولين، هما:
القول الأول: أنها تطهر بالذكاة مطلقًا، إلا الخنزير فلا يطهر بالذكاة.
وإليه ذهب أبوحنيفة([96])ومالك([97])-رحمهما الله-.
واستدلوا بما يلي:
1-ما رواه سلمة بن المحبق الهذلي اأَنَّ نَبِيَّ اللهِ ^دَعَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدِي مَاءٌ إِلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ دَبَغَتْهَا»؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ ذَكَاتَهَا دِبَاغُهَا»([98]).
وفي رواية أن النبي ^قال: «دباغ الأديم ذكاته»([99]).
وجه الدلالة:
قالوا: شبه الدباغ بالذكاة، والمشبه به أقوى من المشبه. فإذا طهر الدباغ مع ضعفه فالذكاة أولى.
ولأن الدباغ يرفع العلة بعد وجودها، والذكاة تمنعها، والمنع أقوى من الرفع([100]).
ونوقش بما يلي:
أ- يحتمل أنه أراد بالذكاة: التطييب، من قولهم: رائحة ذكية، أي: طيبة. وهذا يطيب الجميع. ويدل على هذا أنه أضاف الذكاة إلى الجلد خاصة, والذي يختص به الجلد هو تطييبه وطهارته. وأما الذكاة التي هي الذبح فلا تضاف إلا إلى الحيوان كله.
ب-أن في طُرُقِ الحديث دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْـمُرَادَ بِالذَّكَاةِ طَهَارَتُهُ([101])، فسمى الطهارة ذكاة. فيكون اللفظ عامًا في كل جلد، فيتناول ما اختلفنا فيه.
ج- أن في قصة الحـديث دلالة على أنه في جـلد ما يؤكل لحمه([102]).
د- أن القول بأن المشبه به أقوى من المشبه غير لازم؛ فإن الله تعالى قال في صفة الحور: *ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ&([103]). وهنَّ أحسن من البيض. والمرأة الحسناء تشبه بالظبية وبقرة الوحش، وهي أحسن منهما.
ثم إن الدبغ إنما يؤثر في مأكول اللحم، فكذلك ما شبه به([104]).
2- القياس على الدباغ، فكما أن الذكاة تشارك الدباغ في إزالة الدماء السائلة والرطوبات النجسة فيجب أن تشاركه في إفادة الطهارة([105]).
ونوقش:
بعدم صحة القياس؛ لوجود الفارق؛ لكون الدبغ مزيلًا للخبث والرطوبات كلها، مطيبًا للجلد على وجه يتهيأ به للبقاء على وجه لا يتغير، والذكاة لا يحصل بها ذلك، فلا يستغني بها عن الدبغ([106]).
القول الثاني: أنها لا تطهر بالذكاة.
وإلى هذا القول ذهب جمهور الفقهاء وأهل الحديث، ومنهم الإمام مالك /في قول له وبعض أصحابه([107])، والشافعية([108])، والحنابلة([109]).
واستدلوا بما يلي:
1-عَنْ أَبِي الْـمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ الهذلي عَنْ أَبِيهِ ا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ»([110]).
2-عَنْ خَالِدٍ بن معدان قَالَ: وَفَدَ الْـمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِيكَرِبَ اعَلَى مُعَاوِيَةَ افقَالَ لَهُ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ لُبُوسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»([111]).
ووجه الدلالة من الحديثين: أن هذا النهي عام في المذكى وغيره([112]).
ونوقش:
بأن غَايَةَ مَا فِيهَا مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَافْتِرَاشِهَا، وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ، كَمَا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الذَّهَبِ وَالْـحَرِيرِ وَنَجَاسَتِهِمَا([113]).
3-عن عبـدالله بن عباس بقـال: سمـعت رسول الله ^يقول: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»([114]).
ووجه الدلالة:
أن قوله ^: «إِذا دبغ الإهاب فقد طهر» خرج مخرج الشَّـرْط وَالْـجَزَاء، -فَقَوله: «إِذا دبغ» شَـرط، وَقَوله: «فقد طهر» جَزَاء.- وَالْـجَزَاء لَا يسْبق الشَّـرْط، كَمَا يُقَال: إِذا دخلت الدَّار فَأَنت حر، فَمَا لم يدْخل لَا يعْتق([115]). وهو عام، يشمل كل إهاب، سواءً كان مأكول اللحم أو غير مأكول، لكن خرج مأكول اللحم إذا ذكي؛ للإجماع على طهارته.
4-أنه ذبح لا يطهر اللحم، وهو المقصود الأصلي من الذبح، فلا يطهر الجلد من باب أولى، كذبح المجوسـي، أو الذبح غير المشـروع، كذبح المحرم الصـيد([116]).
الترجيح:
من خلال ما سبق يترجح -والله أعلم-: ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من أن جلود ما حرم أكله لا تطهر بالذكاة؛ لقوة أدلتهم، وضعف أدلة المخالفين، وورود المناقشات عليها.
المبحث الثانيحكم ما سوى الجلود مما يمكن استعماله في اللباس
من حيث الطهارة والنجاسة وجواز الانتفاع بها
وهي: (الشَّعْر، وَالصُّوف، وَالْـوَبَر، وَالرِّيش، وَالْـعَظْم، وَالْـقَرْن، وَالسِّنّ، والظُفُر، وَالظِّلْف، والخُف، والحَافِر، وَالْـعَصَب، والمُصْـران، والكِرْش، والمثانة).
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: المتخذ منها من الخنزير.
المطلب الثاني: المتخذ مما سوى الخنزير.
المطلب الأول
المتخذ منها من الخنزير
حكى بعض العلماء الإجماع على تحريم الخنزير بجملته، فقَالَ ابن المنذر/: (وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْـعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ الْـخِنْزِيرِ، وَالْـخِنْزِيرُ مُحَرَّمٌ بِالْـكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْـأُمَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِعْمَالِ شَعْرِهِ)([117]).
وقال فخر الدين الرازي /: (أَجْمَعَتِ الْـأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْـخِنْزِيرَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحَرَّمٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى لَحْمَهُ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِانْتِفَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِه.
أَمَّا شَعْرُ الْـخِنْزِيرِ فَغَيْ
أحكام اللباس
المتخذ مما حرم أكله من الحيوانات
تأليف
أ0د. محمد بن عبدالله بن محمد المحيميد
الأستاذ في قسم الفقه في كلية الشـريعة
والدراسات الإسلامية في جامعة القصـيم
الـمقدمــــــة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشـرف الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فقد كرم الله تعالى بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق، وسخر لهم ما في السماوات والأرض؛ ليعينهم على البقاء في الأرض وعمارتها، وتحقيق الهدف من خلقهم، وهو عبادته ـ.
ومن أعظم ما سخر لهم سبحانه ألبسة يتخذونها من جلود الحيوانات وغيرها، تستر عوراتهم، وتحفظ أبدانهم، ويتجملون بها لبعضهم، قال تعالى: *ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ&([1])، وقال سبحانه: *ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ&([2]).
وقد بين لهم ـما يحل لهم منها وما يحرم.
ولقد توسع الناس في هذا الزمن فيما يتخذونه من الحيوانات لألبستهم وزينتهم، من الشَّعْر وَالصُّوف، وَالْـوَبَر وَالرِّيش، وَالْـعَظْم وَالْـقَرْن، وَالسِّنّ والظُفُر، وَالظِّلْف والخُف، والحَافِر وَالْـعَصَب، والمُصْـران، وغيرها. وهذا بفضل ما يسـر الله لهم من الوسائل التي تمكنهم من اقتنائها ونقلها، والسـيطرة على المتوحش منها من السباع وغيرها، وتصنيع ما يتخذونها منها، واستعماله في اللباس وغيره.
وبما أنه قد اختلط الكفار بالمسلمين في كثير من الدول، وشاع التعامل بينهم، واعتمد كثير من المسلمين في صناعة ألبستهم وغيرها على الكفار فإن هذا الأمر يحتم بيان وتفصـيل ما يحل منها وما يحرم على المسلمين؛ وذلك نظرًا لكثرة الأسئلة عن أحكام اللباس المتخذ من الحيوانات المحرم أكلها.
ومن هنا جاء هذا البحث الموسوم بـ(أحكام اللباس المتخذ مما حرم أكله من الحيوانات)؛ لعله يساهم في الإجابة على بعض الأسئلة التي تطرح في هذا الجانب الهام من جوانب الفقه الإسلامي، وذلك من خلال جمع أقوال العلماء في هذه المسألة، وعرض أدلتهم، وأوجه الاستدلال منها، وما ورد عليها من مناقشات أو اعتراضات، والإجابات عليها. ومن ثم أجتهد في بيان الراجح من هذه الأقوال، ملتزمًا منهج البحث العلمي المتبع.
وقد قسمت هذا البحث إلى ما يلى:
التمهيد،وتحته مطلبان:
المطلب الأول: المقصود باللباس.
المطلب الثاني:المقصود بما حرم أكله من الحيوانات.
المبحث الأول: أحكام جلود ما حرم أكله من حيث الطهارة والنجاسة،وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:جلود ما مات حتف أنفه ولم يدبغ.
المسألة الثانية:ما دبغ من جلود ما مات حتف أنفه.
المسألة الثالثة:جلود ما ذكي منها ولم يدبغ.
المبحث الثاني: حكم ما سوى الجلود مما يمكن استعماله في اللباس من حيث الطهارة والنجاسة وجواز الانتفاع بها،وتحته مطلبان:
المطلب الأول:المتخذ منها من الخنزير.
المطلب الثاني: المتخذ مما سوى الخنزير.
المبحث الثالث: حكم الانتفاع بما يتخذ مما حرم أكله من الحيوانات في اللباس،وتحته مطلبان:
المطلب الأول:حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود، وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود غير المدبوغة مما مات حتف أنفه.
المسألة الثانية:حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود غير المدبوغة مما ذكي.
المسألة الثالثة: حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع من الجلود المدبوغة مما مات حتف أنفه.
المطلب الثاني:حكم الانتفاع بما يتخذ مما حرم أكله من الحيوانات في اللباس، وتحته فرعان:
الفرع الأول: حكم لبس ما اتخذ أو صنع من الجلود.
الفرع الثاني: حكم الانتفاع بما اتخذ أو صنع مما سوى الجلود مما يمكن استعماله في اللباس، (من الشَّعْر، وَالصُّوف، وَالْـوَبَر، وَالرِّيش، وَالْـعَظْم، وَالْـقَرْن، وَالسِّنّ، والظُفُر، وَالظِّلْف، والخُف، والحَافِر، وَالْـعَصَب، والمُصْـران، والكِرْش، والمثانة).
الخاتمة،وتتضمن خلاصة لحكم الانتفاع بما يتخذ ويصنع مما حرم أكله من الحيوانات في اللباس.
فهرس المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات.
أسأل الله أن يجعل هذا البحث خالصًا لوجهه الكريم، ونافعًا لعباده المؤمنين؛ إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
محمد بن عبدالله بن محمد المحيميد
1437هـ
التمهيد
بيان المقصود بالعنوان
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: المقصود باللباس.
المطلب الثاني: المقصود بما حرم أكله من الحيوانات.
المطلب الأول
المقصود باللباس
اللِّبَاسُ مِن المُلاَبَسَةِ، أَي: الاخْتِلاطُ والاجْتِمَاعُ، وَمن المَجَازِ قولُه تعالَى: *ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ&([3]). قيل: هُوَ الإِيمانُ. قالَه السُّدِّيُّ. أَو الحَيَاءُ. وَقد لبِسَ الحيَاءَ لِبَاسًا: إِذا إسْتَتَر بِهِ. نقلَه ابنُ القَطّاع.
وَقيل: هُوَ العَمَلُ الصالحُ، أَو سَتْرُ العَوْرَةِ، وَهُوَ سَتْرُ المُتَّقِين، وإِليه يُلْمِحُ قولُه تَعالَى: *ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ&([4]). مما يَدُلُّ عَلَى أَنّ جُلَّ المَقْصِدِ منِ اللِّبَاسِ سَتْرُ العَوْرَةِ، وَمَا زادَ فتَحَسُّنٌ وتَزَيُّنٌ، إِلاّ مَا كَانَ لِدَفْع حَرٍّ وبَرْدٍ.
وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة كل مِنْهُمَا لِبَاس للْآخر، وَفِي التَّنْزِيل الْـعَزِيز: *ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ&([5]).
ولباس كل شَـيْء غشاؤه، و"لِبَاس النُّور": أكمته، و"لِبَاس التَّقْوَى": الْـإِيمَان أَو الْـحيَاء أَو الْـعَمَل الصَّالح.
واللباس -بكسـر اللام-: ما يستر الجسم، أو ما يلبس من كسوة. جمعه ألبسة.
ويقال: لبس الثوب لبسًا، وتلبّس بلباس حسن، ولباسًا حسنًا، وعليه ملبس بهيٌّ، ولبوس من ثوب أو درع، وعليهم ملابس ولبس([6]).
والمقصود هنا:ما يستر الجسم، أو يغطي بعض أعضائه، نحو أغطية الرأس، أو ما تستر به اليدين أو الرجلين، وما يتخذ من الأحذية والخفاف، وكذا ما يتخذ من الحلي ووسائل التزين التي يجمل بها البدن.
المطلب الثاني
المقصود بما حرم أكله من الحيوانات
يقصد بما حرم أكله من الحيوانات ما يلي:
1-ما سوى مباح الأكل من الحيوانات، كالفيل والقرد والخنزير والحمر الأهلية والبغال، وكذلك سباع البهائم، مثل: الأسد والفهد والنمر وَالذِّئْب والدب والقرد والفيل والتمساح، ونحوها مما له ناب يفترس به، وكذلك سباع الطير، مثل: النسـر والصقر والبازي والحدأة، ونحوها مما له مخلب.
2-ما مات حتف أنفه أو بذكاة غير شـرعية من مباح الأكل من الحيوانات.
المبحث الأولأحكام جلود ما حرم أكله
من حيث الطهارة والنجاسة
وتحته ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: جلود ما مات حتف أنفه ولم يدبغ.
المسألة الثانية: ما دبغ من جلود ما مات حتف أنفه.
المسألة الثالثة: جلود ما ذكي منها ولم يدبغ.
المسألة الأولى
جلود ما مات حتف أنفه ولم يدبغ
لا خلاف بين الفقهاء في نجاسة جلود ما مات حتف أنفه من الحيوانات ولم يدبغ([7]).
واستدلوا بما يلي:
1-عـن عبدالله بن عباس بقال: سمـعت رسول الله ^يقول: «إذا دبغ الإهاب([8])فقد طهر»([9]).
2-عَنِ ابن عباس أيضًا بقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ^يَقُولُ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»([10]).
ووجه الدلالة:
أن قوله ^: «إذا دبغ الإهاب» يقصد به ما لم يكن طاهرًا من الأهب، كجلود الميتات؛ لأن الطاهر لا يحتاج إلى الدباغ للتطهير؛ إذ من المحال أن يقال في الجلد الطاهر: إذا دبغ فقد طهر.
وفي قوله ^: «فقد طهر» دليل على أن كل إهاب لم يدبغ ليس بطاهر، وإذا لم يكن طاهرًا فهو نجس([11]).
المسألة الثانية
ما دبغ من جلود ما مات حتف أنفه
وقد اختلفوا فيها على أقوال، كما يلي:
القول الأول: أنها تطهر بالدباغ مطلقًا، حتى الكلب والخنزير.
وإليه ذهب الظاهرية([12])، والليث بن سعد([13])، وأبويوسف من الحنفية([14])-رحمهما الله-.
واستدلوا بما يلي:
1-عـن عبدالله بن عباس بقال: سمـعت رسول الله ^يقول: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»([15]).
2-عن سلمة بن المحبق الهذلي اأن النبي ^قال: «دباغ الأديم ذكاته»([16]).
3-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ^يَقُولُ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ»([17]).
4-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ ^يَتَوَضَّأُ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «دِبَاغُهُ يُذْهِبُ خَبَثَهُ، أَوْ رِجْسَهُ، أَوْ نَجَسَهُ»([18]).
ووجه الدلالة:
أن لفظ «الإهاب» و«الأديم» وقوله: «أيما إهاب» ألفاظ عامة، ولم يخص شـيئًا منها، فتدخل فيها أهب وأدم الحيوانات كلها، بما في ذلك الكلب والخنزير([19]).
قال ابن بطال /: (وحجة القول الأول الذى عليه الجمهور: أنه معلوم أن قوله ^: «إذا دبغ الإهاب» هو ما لم يكن طاهرًا من الأهب، كجلود الميتات، وما لم تعمل فيه الذكاة من الدواب والسباع؛ لأن الطاهر لا يحتاج إلى الدباغ للتطهير. ومحال أن يقال في الجلد الطاهر: إذا دبغ فقد طهر.
وفي قوله ^: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» نص ودليل. فالنص منه طهارة الإهاب بالدباغ. والدليل منه أن كل إهاب لم يدبغ فليس بطاهر، وإذا لم يكن طاهرًا فهو نجس، والنجس محرم. وإذا كان ذلك كذلك كان هذا الحديث مبينًا لحديث ابن عباس([20])، وبطل بنصه قول من قال: إن جلد الميتة لا ينتفع به بعد الدباغ)([21]).
ونوقش بما يلي:
أولًا:إن في قصة هذه الأحاديث دلالة على أنه في جلد ما يؤكل لحمه([22]).
ويمكن الإجابة عن ذلك:بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ثانيًا: لو سلمنا بالعموم فقد خصـص بما يلي:
1-بالنسبة لجلود السباع خصص بالأحاديث التالية:
- عَنْ أَبِي الْـمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ الهذلي عَنْ أَبِيهِ ا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ»([23]).
- وَفَد الْـمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِيَكْرِبَ اعَلَى مُعَاوِيَةَ افقَالَ لَهُ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ لُبُوسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»([24]).
ووجه الدلالة من الحديثين:أن هذا النهي عام في المدبوغ من جلود السباع وغير المدبوغ([25]).
وأجيب على ذلك بأجوبة، منها:
أ- بأن غَايَةَ مَا فِيهَما مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَافْتِرَاشِهَا، وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ، كَمَا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الذَّهَبِ وَالْـحَرِيرِ وَنَجَاسَتِهِمَا([26]).
قال في شـرح مشكل الآثار: (قَالَ أَبُوجَعْفَرٍ: وَكَانَ فِيمَا قَدْ رُوِّينَاهُ فِي الْـبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْـبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ^مِنْ قَوْلِهِ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» مَا قَدْ عَمَّ بِهِ الْـأُهُبَ كُلَّهَا، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جُلُودُ السِّبَاعِ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّا قَدْ عَمَّهُ رَسُولُ اللهِ ^بِذَلِكَ الْـقَوْلِ إِلَّا بِمَا يُوجِبُ لَهُ إخْرَاجُهُ بِهِ، مِنْ آيَةٍ مَسْطُورَةٍ، وَمِنْ سُنَّةٍ مَأْثُورَةٍ، وَمِنْ إجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْـعِلْمِ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ بِهِ دُخُولُ جُلُودِ السِّبَاعِ فِي الْـأُهُبِ الَّتِي تَجِبُ طَهَارَتُهَا بِالدِّبَاغِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي جَاءَ فِي الْـآثَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا فِي هَذَا الْـبَابِ عَنِ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِالدِّبَاغِ الَّذِي فُعِلَ بِهَا، وَلَكِنْ لِمَعْنًى سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ رُكُوبُ الْـعَجَمِ عَلَيْهَا، لَا مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَمِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ امِمَّا حَكَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ^«مِنْ نَهْيِهِ عَنِ الْـخَزِّ، عَنْ رُكُوبٍ عَلَيْهِ، وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَيْهِ»([27]). فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ مِنْهُ عَنْ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْـمَعْمُولَةِ مِنْهُ. وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَقَدْ لَبِسَ الْـخَزَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ^وَمِنْ تَابِعِيهِمْ مَنْ قَدْ لَبِسَهُ، وَجَرَى النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا؟!
وَإِذَا كَانَ لُبْسُهُ مُبَاحًا وَالرُّكُوبُ عَلَيْهِ مَكْرُوهًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْـكَرَاهَةَ لِلرُّكُوبِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، لَا لِمَا سِوَاهُ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ نَهْيُ رَسُولِ اللهِ ^أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ أَسْفَلَ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْـأَعَاجِمِ، أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا أَمْثَالَ الْـأَعَاجِمِ([28])، مَعَ إبَاحَتِهِ أَعْلَامَ الْـحَرِيرِ فِي الثِّيَابِ الَّتِي مَقَادِيرُهَا أَكْثَرُ مِنْ مَقَادِيرِ الْـحَرِيرِ الَّذِي فِي هَذَيْنِ الْـمَعْنَيَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ الْـحَرِيرَ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ لِلتَّشْبِيهِ بِالْـعَجَمِ مِمَّا يَفْعَلُونَهُ فِيهِ، وَفِيمَا يَلْبَسُونَ ثِيَابَهُمْ عَلَيْهِ)([29]).
ب- أن النهي عن افتراش جلود السباع إنما كان لكونها لا يزال عنها الشعر في العادة؛ لأنها إنما تقصد للشعر، كجلد الفهد والنمر. فإذا دبغت بقي الشعر نجسًا؛ فإنه لا يطهر بالدبغ على المذهب الصحيح. فلهذا نهي عنها([30]).
ج- أن النهي محمول على ما قبل الدبغ([31]).
واعترض على هذا:بأنه ضعيف؛ إذ لا معنى لتخصـيص السباع حينئذ، بل كل الجلود في ذلك سواء([32]).
وأجيب عن هذا الاعتراض:بأنها خصت بالذكر؛ لأنها كانت تستعمل قبل الدبغ غالبًا أو كثيرًا([33]).
2-أما بالنسبة لجلد الخنزير فقد خصص بقول الله تعالى: *ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&([34]).
فإن الضَّمِيرُ في قوله: *ﮮ ﮯ&رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو الخنزير.
وعلى هذا فَالْـخِنْزِيرُ كُلُّهُ رِجْسٌ. وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: الْـقَذَرُ، فَكَمَا أَنَّ الْـعَذِرَةَ لَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ فَكَذَلِكَ الْـخِنْزِيرُ؛ لِأَنَّه سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ وَلَحْمِ الْـمَيْتَةِ، وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ التَّطْهِيرَ، فَكَذَلِكَ هُوَ([35]).
كما أن الرِّجْس وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ؛ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: *ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ&([36]). فَكَانَ وُجُودُ الدِّبَاغِ -فِي حَقِّهِ- وَالْـعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ([37]).
ونوقش:
بعدم التسليم بأن الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو الخنزير، بل هو راجع إلى كل واحد من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، فكلها رجس، أي: نجس. ويكون هذا تعليلًا لقوله: *ﮠ&. فبين بذلك أن هذه الأشـياء حرام؛ لأنها نجسة؛ لأنه لو لم يذكر *ﮮ ﮯ&لما كان يلزم من صدر الكلام النجاسة لهذه الأشـياء؛ لأن الحرمة لا تستلزم النجاسة.
وعلى هذا يلزم اقتصار النجاسة في الخنزير على لحمه؛ لأن الله تعالى قال: *ﮡ ﮢ ﮣ&. والطعم لا يكون إلا في اللحم دون غيره. وعلى هذا يجوز استعمال جلده بعد الدباغ، واستعمال شعره([38]).
قلت:يؤيده على أن السـياق في المطعومات حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ: مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَاتَتْ فُلانَةُ -يَعْنِي: الشَّاةَ- فَقَالَ: «فَلَوْلا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا»! فَقَالَتْ: نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ^: «إِنَّمَا قَالَ اللهُ Q:*ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ&فَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ، إِنْ تَدْبُغُوهُ، فَتَنْتَفِعُوا بِهِ». فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا، فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا، فَدَبَغَتْهُ، فَأَخَذَتْ مِنْهُ قِرْبَةً، حَتَّى تَخَرَّقَتْ عِنْدَهَا([39]).
وعلى التسليم بأن الكل رجس فإن دباغه يذهب ذلك كما صـرح به في حديث ابن عباس بونصه: أَرَادَ النَّبِيُّ ^يَتَوَضَّأُ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «دِبَاغُهُ يُذْهِبُ خَبَثَهُ، أَوْ رِجْسَهُ، أَوْ نَجَسَهُ». وهو حديث صحيح. وقد تقدم تخريجه([40]).
ثالثًا:أن جلد ما لا يؤكل لحمه لا يسمى إهابًا([41]).
وأجيب عن ذلك:
1-أن هذا خلاف لغة العرب؛ فقد جعلت العرب جلد الإنسان إهابًا([42]).
2-أنه جلد حيوان طاهر، فأشبه المأكول([43]).
ويمكن أن يناقش:بعدم التسليم بطهارة السباع.
القول الثاني: أنها تطهر بالدباغ، ما عدا الخنزير.
وإليه ذهب جمهور الفقهاء([44])، ومنهم الحنفية([45])؛
وهو رواية عن الإمام مالك /، وعليها أكثر أصحابه([46]).
وروي ذلك عن جابر بن عبدالله ا([47]).
واستدلوا بنفس أدلة القول الأول على قولهم بأنها تطهر بالدباغ.
واستدلوا على إخراج الخنزير بقولهم:
1-لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَيْسَتْ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ وَالرُّطُوبَةِ، بَلْ هُوَ نَجِسُ الْـعَيْنِ؛ لقول الله تعالى: *ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ&([48]).
فإن الضَّمِيرُ في قوله: *ﮮ ﮯ&رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وهو الخنزير. وعلى هذا فَالْـخِنْزِيرُ كُلُّهُ رِجْسٌ. وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ الْـقَذَرُ، فَكَمَا أَنَّ الْـعَذِرَةَ لَا تَقْبَلُ التَّطْهِيرَ فَكَذَلِكَ الْـخِنْزِيرُ؛ لِأَنَّه سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ وَلَحْمِ الْـمَيْتَةِ، وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ التَّطْهِيرَ، فَكَذَلِكَ هُوَ([49]).
كما أن الرِّجْس وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ؛ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: *ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ&([50]). فَكَانَ وُجُودُ الدِّبَاغِ -فِي حَقِّهِ- وَالْـعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ([51]).
وقد تقدمت مناقشة هذا الاستدلال ضمن أدلة القول الأول.
2-أنَّ جِلْدَهُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ؛ لِأَنَّ لَهُ جُلُودًا مُتَرَادِفَةً، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كَمَا لِلْآدَمِيِّ([52]).
قلت:ويمكن مناقشته:
بأنه تعليل في مقابلة النص، وهو قوله ^: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر». وغيره من الأحاديث المذكورة في أدلة القول الأول، وهي عامة في كل إهاب.
القول الثالث: أنها تطهر بالدباغ، ما عدا الخنزير والكلب.
وهو رواية في مذهب الحنفية([53])؛
وإليه ذهب الشافعية([54])، وقول في مذهب الحنابلة([55]).
واستدلوا بنفس أدلة القول الثاني في أنها تطهر بالدباغ ما عدا الخنزير.
وأخرجوا الكلب محتجين بما يلي:
1-أن الكلب نجس العين؛ لما روى أبوهُرَيْرَةَ اقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ^: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْـكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»([56]).
وَجْهُ الدَّلَالَةِ:
أَنَّ الْـمَاءَ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ؛ لِمَا فِيهَ مِنْ إتْلَافِ الْـمَالِ الْـمَنْهِيِّ عَنْ إضَاعَتِهِ.
وَأَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ، وَلَا حَدَثَ عَلَى الْـإِنَاءِ، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ النَّجَسِ. فَثَبَتَ نَجَاسَةُ فَمِهِ، وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْـحَيَوَانِ نَكْهَةً؛ لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ، فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى([57]).
ونوقش:
بأن الأمر بالغسل والإراقة ليس لعلة النجاسة، وإنما لعلة تعبدية -الله أعلم بها-، أو لغيرها([58]).
قال في مواهب الجليل: (وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ كَوْنَ الْـمَنْعِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْـكَلْبُ كَلْبًا، فَيَكُونَ قَدْ دَاخَلَ مِنْ لُعَابِهِ الْـمَاءَ مَا يُشْبِهُ السُّمَّ.
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ: تَحْدِيدُهُ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّ السَّبْعَ مِنْ الْـعَدَدِ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ التَّدَاوِي، لَا سِـيَّمَا فِيمَا يُتَوَقَّى مِنْهُ السُّمُّ، وَقَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ ^: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ»([59]). وَقَالَ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُـرَّهُ ذَلِكَ الْـيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ»([60]).
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرُدَّ عَلَيْهِ بِنَقْلِ الْـأَطِبَّاءِ أَنَّ الْـكَلْبَ يَمْتَنِعُ مِنْ وُلُوغِ الْـمَاءِ.
وَأَجَابَ حَفِيدُهُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ الْـكَلْبُ، أَمَّا فِي أَوَائِلِهِ فَلَا). اهـ([61]).
قلت:وقد ذكر بعض المعاصـرين: أنه تم التوصل من خلال التحليلات المختبرية إلى ما يوافق هذا القول([62]).
2-أن نَجَاسَةُ الْـكَلْبِ لَازِمَةٌ، لَا طَارِئَةٌ فَلَا تطْهُرُ بِالْـمُعَالَجَةِ، كَالْـعُذْرَةِ وَالدَّمِ([63]).
3-أَنَّ الْـحَيَاةَ أقوى في التطهير من الدباغة؛ لتطهيرها جَمِيعَ الْـحَيَوَانِ حَيًّا، وَاخْتِصَاصُ الدِّبَاغَةِ بِتَطْهِيرِ جِلْدِهَ منفردًا. فلما لم تؤثر الْـحَيَاةُ فِي تَطْهِيرِ الْـكَلْبِ فَالدِّبَاغَةُ أَوْلَى أَنْ لَا تُؤَثِّرَ فِي تَطْهِيرِ جِلْدِهِ([64]).
واعترض على هذه الأدلة بما يلي:
1- بعدم التسليم بأن الكلب نجس([65]).
2-قياس الكلب على البغل والحمار، فكما أنه يطهر جلدهما بالدباغ، فكذلك جلد الكلب([66]).
ونوقش:
القياس على البغل والحمار قياس مع الفارق؛ فالبغل والحمار طاهران وهما حيان، بخلاف الكلب، فهو نجس العين حتى في حال الحياة([67]).
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة:بعدم التسليم بنجاسة الكلب؛ لما مر من الأدلة.
3-أن الانتفاع به مباح، ولو كانت عينه نجسة لما أبيح الانتفاع به([68]).
القول الرابع: أنها لا تطهر بالدباغ مطلقًا.
وإليه ذهب بعض المالكية([69])، وهو المشهور من مذهب الحنابلة([70]).
وممن قال بهذا القول الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق وأبوثور
ويزيد بن هارون([71])-رحمهم الله-.
وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب، وابنه، وعائشة، وعمران بن حصـين([72])ي.
واستدلوا بما يلي:
1-قوله تعالى: *ﭑ ﭒ ﭓ&([73]).
ووجه الدلالة:
أن الآية عامة فتشمل جميع أجزاء الميتة من جلد وغيره([74]).
ونوقش:
بأن العموم في الآية خصصته السنة بعدد من الأحاديث الصحيحة ([75]). وقد ذكرنا بعضها في أدلة القول الأول.
2-حديث عبدالله بن عكيم: أتانا كتاب رسول الله ^قبل موته بشهر: «أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»([76]).
ووجه الدلالة:
أن النهي عام، فيشمل المدبوغ وغير المدبوغ، مما يحل أكله ومما يحرم.
وكذلك فهو آخر الأمرين عن النبي ^، فيكون ناسخًا لما قبله([77]).
ونوقش بما يلي:
(1) إن الحديث مضطرب الإسناد، وسبب الاضطراب: أنّه روي أن الكتاب أتاهم قبل موته بشهر، وفي رواية: بشهرين، وفي أخرى: بأربعين يومًا([78]).
وأجيب:بأن الاضطراب مردود؛ حيث سمع ابن عكيم الكتاب يقرأ، وسمعه من مشايخ من جهينة عن النبي ^، فلا اضطراب([79]).
(2) إن الحديث مرسل، فابن عكيم ليس بصحابي([80]).
وأجيب:
إن الحـديث صحيـح. والإرسال في هـذا لا يضـر؛ لأن كـتابه ^كلفظه([81]).
(3) إن الحديث روي عن مشـيخة مجهولين، لم تثبت صحبتهم([82]).
وأجيب:
إن هؤلاء الأشـياخ من الصحابة، وعليه فلا يضـر الجهل بأسمائهم([83]).
(4) على التسليم بصحته فإن محمول على الجلد قبل الدباغ؛ جمعًا بينه وبين الأحاديث الصحيحة؛ لأن الإهاب عند أهل اللغة يقصد به الجلد قبل الدباغ، فإذا دبغ لا يسمى إهابًا([84]).
3- ما رواه سلمة بن المحبق الهذلي اأن النبي ^قال: «دباغ الأديم ذكاته»([85]).
ووجه الدلالة:
قالوا: شَبَّهَ الدَّبْغَ بِالذَّكَاةِ. وَالذَّكَاةُ إنَّمَا تُعْمَلُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ([86]).
ونوقش:
بعدم التسليم بأن الذكاة لا تعمل إلا في مأكول اللحم خاصة، بل تعمل فيه وفي غيره. ويستغنى بها عن الدباغ([87]).
القول الخامس: أنها تطهر طهارة غير كاملة.
فينتفع بها إذا دبغت في الجلوس عليها والعمل، والامتهان في الأشـياء اليابسة، كالغربلة وشبهها، ولا تباع، ولا يتوضأ فيها، ولا يصلى عليها.
وهذا قول للإمام مالك /، وعليه بعض أصحابه([88]).
وحجتهمفي عدم جواز الوضوء فيها والصلاة عليها وبيعها:
1-ما سبق من حديث عبدالله بن عكيم: أتانا كتاب رسول الله ^قبل موته بشهر: «أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»([89]).
2- ما روي عن القاسم بن محمد /أنه قال لعائشة ل: «ألا نجعل لك فروًا تلبسـينه؟ قالت: إني لأكره جلود الميتة. قال: إنا لا نجعله إلا ذكيًا. فجعلناه، فكانت تلبسه»([90]).
3- ما روي عن ابن عمر ب: «أنه كان لا يلبس إلا ذكيًا»([91]).
واعترض على هذا: بما سبق من قوله ^: «أيما إهاب دبغ فقد طهر».
ورد هذا الاعتراض:
بحمل الطهارة في الحديث على الطهارة اللغوية، وهي النظافة، لا الطهارة الحقيقية([92]).
- وحجتهم في تجويز الانتفاع بها في بعض الأشـياء:
أن النبي ^أهدى حلة من حرير لعمر ا، وقال: «لم أعطكها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها»([93]).
ووجه الدلالة:
قالوا: أباح له ^التصـرف في الحلة في بعض الوجوه، فكذلك جلد الميتة يجوز الانتفاع به في بعض الوجوه دون بعض([94]).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم-: القول الأول، القائل بطهارة جلود الحيوانات بالدباغ مطلقًا، بما في ذلك جلد الكلب والخنزير؛ لقوة أدلته، وورود المناقشة على أدلة المخالفين.
ولأن الجلد يخرج عَنْ حُكْمِ الحيوان بَعْدَ الدِّبَاغِ، ويصـير بِمَنْزِلَةِ الثَّوْبِ وَالْـخَشَبِ([95])، فيخرج من التَّحْرِيمَ الوارد في شأن الميتة وما يحرم أكله من الحيوانات.
المسألة الثالثة
جلود ما ذكي منها ولم يدبغ
اختلف العلماء فيها على قولين، هما:
القول الأول: أنها تطهر بالذكاة مطلقًا، إلا الخنزير فلا يطهر بالذكاة.
وإليه ذهب أبوحنيفة([96])ومالك([97])-رحمهما الله-.
واستدلوا بما يلي:
1-ما رواه سلمة بن المحبق الهذلي اأَنَّ نَبِيَّ اللهِ ^دَعَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدِي مَاءٌ إِلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ دَبَغَتْهَا»؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ ذَكَاتَهَا دِبَاغُهَا»([98]).
وفي رواية أن النبي ^قال: «دباغ الأديم ذكاته»([99]).
وجه الدلالة:
قالوا: شبه الدباغ بالذكاة، والمشبه به أقوى من المشبه. فإذا طهر الدباغ مع ضعفه فالذكاة أولى.
ولأن الدباغ يرفع العلة بعد وجودها، والذكاة تمنعها، والمنع أقوى من الرفع([100]).
ونوقش بما يلي:
أ- يحتمل أنه أراد بالذكاة: التطييب، من قولهم: رائحة ذكية، أي: طيبة. وهذا يطيب الجميع. ويدل على هذا أنه أضاف الذكاة إلى الجلد خاصة, والذي يختص به الجلد هو تطييبه وطهارته. وأما الذكاة التي هي الذبح فلا تضاف إلا إلى الحيوان كله.
ب-أن في طُرُقِ الحديث دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْـمُرَادَ بِالذَّكَاةِ طَهَارَتُهُ([101])، فسمى الطهارة ذكاة. فيكون اللفظ عامًا في كل جلد، فيتناول ما اختلفنا فيه.
ج- أن في قصة الحـديث دلالة على أنه في جـلد ما يؤكل لحمه([102]).
د- أن القول بأن المشبه به أقوى من المشبه غير لازم؛ فإن الله تعالى قال في صفة الحور: *ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ&([103]). وهنَّ أحسن من البيض. والمرأة الحسناء تشبه بالظبية وبقرة الوحش، وهي أحسن منهما.
ثم إن الدبغ إنما يؤثر في مأكول اللحم، فكذلك ما شبه به([104]).
2- القياس على الدباغ، فكما أن الذكاة تشارك الدباغ في إزالة الدماء السائلة والرطوبات النجسة فيجب أن تشاركه في إفادة الطهارة([105]).
ونوقش:
بعدم صحة القياس؛ لوجود الفارق؛ لكون الدبغ مزيلًا للخبث والرطوبات كلها، مطيبًا للجلد على وجه يتهيأ به للبقاء على وجه لا يتغير، والذكاة لا يحصل بها ذلك، فلا يستغني بها عن الدبغ([106]).
القول الثاني: أنها لا تطهر بالذكاة.
وإلى هذا القول ذهب جمهور الفقهاء وأهل الحديث، ومنهم الإمام مالك /في قول له وبعض أصحابه([107])، والشافعية([108])، والحنابلة([109]).
واستدلوا بما يلي:
1-عَنْ أَبِي الْـمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ الهذلي عَنْ أَبِيهِ ا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ»([110]).
2-عَنْ خَالِدٍ بن معدان قَالَ: وَفَدَ الْـمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِيكَرِبَ اعَلَى مُعَاوِيَةَ افقَالَ لَهُ: «أَنْشُدُكَ بِاللهِ! هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ^نَهَى عَنْ لُبُوسِ جُلُودِ السِّبَاعِ، وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»([111]).
ووجه الدلالة من الحديثين: أن هذا النهي عام في المذكى وغيره([112]).
ونوقش:
بأن غَايَةَ مَا فِيهَا مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَافْتِرَاشِهَا، وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ، كَمَا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الذَّهَبِ وَالْـحَرِيرِ وَنَجَاسَتِهِمَا([113]).
3-عن عبـدالله بن عباس بقـال: سمـعت رسول الله ^يقول: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»([114]).
ووجه الدلالة:
أن قوله ^: «إِذا دبغ الإهاب فقد طهر» خرج مخرج الشَّـرْط وَالْـجَزَاء، -فَقَوله: «إِذا دبغ» شَـرط، وَقَوله: «فقد طهر» جَزَاء.- وَالْـجَزَاء لَا يسْبق الشَّـرْط، كَمَا يُقَال: إِذا دخلت الدَّار فَأَنت حر، فَمَا لم يدْخل لَا يعْتق([115]). وهو عام، يشمل كل إهاب، سواءً كان مأكول اللحم أو غير مأكول، لكن خرج مأكول اللحم إذا ذكي؛ للإجماع على طهارته.
4-أنه ذبح لا يطهر اللحم، وهو المقصود الأصلي من الذبح، فلا يطهر الجلد من باب أولى، كذبح المجوسـي، أو الذبح غير المشـروع، كذبح المحرم الصـيد([116]).
الترجيح:
من خلال ما سبق يترجح -والله أعلم-: ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من أن جلود ما حرم أكله لا تطهر بالذكاة؛ لقوة أدلتهم، وضعف أدلة المخالفين، وورود المناقشات عليها.
المبحث الثانيحكم ما سوى الجلود مما يمكن استعماله في اللباس
من حيث الطهارة والنجاسة وجواز الانتفاع بها
وهي: (الشَّعْر، وَالصُّوف، وَالْـوَبَر، وَالرِّيش، وَالْـعَظْم، وَالْـقَرْن، وَالسِّنّ، والظُفُر، وَالظِّلْف، والخُف، والحَافِر، وَالْـعَصَب، والمُصْـران، والكِرْش، والمثانة).
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: المتخذ منها من الخنزير.
المطلب الثاني: المتخذ مما سوى الخنزير.
المطلب الأول
المتخذ منها من الخنزير
حكى بعض العلماء الإجماع على تحريم الخنزير بجملته، فقَالَ ابن المنذر/: (وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْـعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ الْـخِنْزِيرِ، وَالْـخِنْزِيرُ مُحَرَّمٌ بِالْـكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْـأُمَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِعْمَالِ شَعْرِهِ)([117]).
وقال فخر الدين الرازي /: (أَجْمَعَتِ الْـأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْـخِنْزِيرَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُحَرَّمٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى لَحْمَهُ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِانْتِفَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِه.
أَمَّا شَعْرُ الْـخِنْزِيرِ فَغَيْ
https://www.pozible.com/profile/welcomecode
무리한 소비는 자원 소모와 환경 파괴를 초래할 수 있고, 스타벅스 상품권 현금화 소비주의적인 가치관은 소수의 소비에만 초점을 맞추어 금전적 불평등을 증가시킬 수 있을 것입니다. 그래서, 쇼핑을 할 경우는 계속 가능한 소비를 실천하고, 고유의 니즈에 따라 적절히 결정하는 것이 중요하다. [url=https://24pin.co.kr/]상품권 매입[/url]
https://asiki-mining.ru/
informative post https://protecprosltd.com/
read review https://interiorvibecraft.com
Всем Привет! Сегодня многие бренды используют продвижение через инфлюенсеров, чтобы повысить узнаваемость. Это направление быстро развивается, и результаты часто превосходят классический таргет. Этот подход показывается отличные результаты Полный текст доступен на странице блога: https://digitalpromo-blog.blogspot.com/2025/09/blog-post.html До встречи в новых материалах!
가상화폐 가격이 월간 기준으로 60년 만에 최대 낙폭을 기록하며 '잔인한 5월'로 마감할 것이라는 해석이 제기됐습니다. 현지시간 25일 비트겟 거래소 외신의 말을 빌리면 비트코인 가격은 이달 들어 여태까지 34% 넘게 폭락해 2012년 10월 뒤 월간 기준 최대 하락 폭을 기록했습니다. [url=https://coinupstream.com/]비트겟 거래소[/url]
https://antminer-bitmain-official.ru/
https://new-york.advertclassifieds.com/view/4385255/-/
Related Site https://goaarfid.com/
야간 여성알바의 52.7%는 ’낮 아르바이트보다 어렵다‘고 답했는데, 더 힘겨운 점(복수응답)으로는 ’수면 부족으로 말미암아 체력적으로 어렵다‘고 답한 응답자가 73.7%로 가장 많았다. 이어 ’생활패턴이 거꾸로 바뀌어서 사회생활을 할 수는 없다‘(38.7%), ’취객 등 진상 고객 응대가 더 많다‘(20.7%), ’물품 처리 등 할 일이 오히려 더 많다‘(12.8%), ’늦은 귀갓길이 위험하다‘(9.4%) 등의 응답도 있었다. [url=https://bubblealba.com/]여자알바[/url]
view https://riverbranthor.com
official site https://musicianesq.com/
마지막으로, 여행사가 공급하는 컬쳐랜드 매입와 고객 테스트를 고려해야 합니다. 여행 일정 계획, 비상 상황 대응, 현지 가이드 지원 등이 함유된 서비스의 질은 여행 경험에 큰 영향을 미칠 수 있을 것입니다. 이전 여행자들의 리뷰와 테스트를 확인해 해당 여행사의 서비스에 대한 정보를 얻는 것이 도움이 될 것입니다. [url=https://www.24gogopin.com/]상품권 현금화[/url]
포천교정치과 원장 박**씨는 '어금니 1개, 앞니 5개가 가장 우선해서 자라는 8~10세 시기에 영구치를 교정해야 추가로 자라는 영구치가 모자라지 않은 공간을 가지고 가지런하게 자랄 수 있다'며 '프로모션을 통해 자녀들의 치아 상황를 검사해보길 바란다'고 말했다. [url=https://xn--vb0b6fl47b8ij90aca533i.com/]포천교정치과[/url]
read this article https://grvyonetweb.com/
Перед поездкой в страну никаких вакцинаций и прививок не требуется https://akademy21.ru/courses/massage/elektromagnitnaya-stimulyatsiya-hifem Обязательно надо пользоваться сейфом для хранения документов, денег и ценностей https://akademy21.ru/osnovi_koloristiki Если же сейфа в номере нет, документы и ценные вещи можно сдать на хранение дежурному администратору https://akademy21.ru/otzyvy Hawaii Hotel https://akademy21.ru/master_nogtevogo_servisa Расстояние до пляжа https://akademy21.ru/parikmaher Пляжная линия https://akademy21.ru/master_manikura Пляжная линия https://akademy21.ru/sam_brovist Расстояние до пляжа https://akademy21.ru/courses/massage/intimnoye-otbelivaniye-iapparatnoye-omolozheniye
https://1xbetpromogratuit.wixstudio.com/1xbet-promogratuit1
포르노사이트 차단 사이트 추천 [url=https://www.jobkorea.co.kr/recruit/co_read/c/kangkasofficial]야짤[/url]
https://jobs.suncommunitynews.com/profiles/7354636-tours-gratuits