بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى نماذج من رحمة الحبيب صلى الله عليه وسلم 24/1/1436هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ..
أما بعد:فيا أيها المسلمون أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى ؛ فاتقوه-رحمكم الله- بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه ، والإحسان إلى خلقه ؛ فإن ذلك هو طريق النجاة ، وسبيل العز والفوز الفلاح في الدنيا والآخرة،(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً ..)
عباد الله:في الوقت الذي يعمد فيه أعداء الإسلام إلى إبراز وتشجيع وتمكين ودعم لا محدود لبعض أصحاب القلوب المريضة والأفكار المنحرفة من أبناء المسلمين ممن لا يعرفون من الإيمان إلا اسمه ومن الإسلام إلا مظهره ورسمه من خلال تنفيذ عمليات إجرامية قاسية وتصويرها ومن ثم إخراجها في مشاهد بشعة وإلصاقها بالإسلام ونشرها في العالم شرقه وغربه في حملة ممنهجة ظالمة لتشويه المعاني السامية لدين الإسلام وتلفيق التهم الآثمة بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم وإظهارهم بمظهرهم الإرهابيين الجفاة والسفاحين القتلة كل ذلك من أجل صد الناس عن هذا الدين وتنفيرهم عنه وتأليبهم على المسلمين ومحاصرة دعاته للحد من انتشاره ، بعد أن أفلست كتاباتهم وبرامجهم ومسلسلاتهم الإعلامية عبر سنين طويلة عن تحقيق مرادهم
في هذا الوقت وفي ظل هذه الحملات المسعورة يجدر بنا أن نتذكر ونذكر ببعض المواقف المشرقة النبيلة من أقوال وأفعال نبي الهدى صلى الله عليه وسلم التي تظهر فيها معالم الرحمة والشفقة والرفق في أجمل صورها وأزهى معانيها وسعة شمولها ؛ لنتمثلها في سلوكنا ، ولنرسخها في قلوب أبنائنا ليتأسوا به صلى الله عليه وسلم ويتحلوا في صفاته فيدعون الناس لهذا الدين العظيم بأخلاقهم وأفعالهم قبل أقوالهم ..وسوف أقتصر في هذه الخطبة على ذكر نماذج من ذلك في بعض الجوانب التي يغفل عنها أكثر الناس بل ربما لا يفكرون فيها ..
أخرج الإمام مسلم-رحمه الله- وغيره عن أمِ قيس بنت مِحصَن-رضي الله عنها: ( أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله ) ؛ أي رحمة بالأطفال هذه؟ ؛ يضع طفلا ليس من أبنائه ولا من قرابته في حجره تلطفا به..!! ، وبعض الآباء لا يكاد يضع ابنه الذي من صلبه في حجره ، ثم يبول هذا الصبي في حجر الحبيب صلى الله عليه وسلم فلا ينفعل ولاينزعج ولا يثرب على أمه..!! ما زاد على أن طلب ماء وصبه عليه.. أي رحمة وأي رفق هذا.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لأَدْخُلُ الصَّلاَةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ ، فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ من بكائه) متفق عليه.معنى (وجد أمه ) حزنها وتألمها لبكائه وهي شديدة الحب له ، فأي رحمة بالناس هذه وأي تقدير لمشاعرهم ، وصدق الله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ).
عباد الله : ولم تقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم بأبناء المسلمين بل تعدتها إلى أبناء أشد أعدائه وهم اليهود ؛ فعَن أنس-رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ» . فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ»رَوَاهُ البُخَارِيّ-رحمه الله-وفي رواية:فأسلم الغلام ثم مات بعدها مباشرة ، فقال عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله الذي نجاه بي من النار» ..
عباد الله: ما ذا يرجو النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الصبي اليهودي حين زاره ودعاه للإسلام ، ثم فرحه حين أسلم ؟!!، هل يرجو أن يتقوى به من ضعف، أو يتعزز به من ذلةٍ، أو يستكثر به من قلة؟ كلا والله ..، ولكنها الرحمة بالخلق والخوف عليهم من النار؛ وصدق الله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
عباد الله : ولم تقتصر رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم على بني الإنسان ، بل تعدت إلى الطير والحيوان ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمْرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمْرَةُ فَجَعَلَتْ تَعْرِشُ (أي ترتفع وتظلل بجناحيها على من تحتها) فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا» . وَرَأَى صلى الله عليه وسلم قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا قَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» فَقُلْنَا: نَحْنُ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ ربُّ النَّار» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصحح إسناده النووي والألباني-رحمهما الله ، وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم حَائِطاً لِرَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَإذا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأى رَسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَرْجَرَ وذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأتَاهُ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحَ سَرَاتَهُ - أيْ: سِنَامَهُ - وَذِفْرَاهُ –أي مُؤخر رَأسه- فَسَكَنَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الجَمَلُ؟» فَجَاءَ فَتَىً مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ: هَذَا لِي يَا رسولَ الله. فَقَالَ: «أفَلا تَتَّقِي اللهَ في هذِهِ البَهِيمَةِ الَّتي مَلَّكَكَ اللهُ إيَّاهَا؟ فَإنَّهُ يَشْكُو إلَيَّ أنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ» أي تُتعبه " [ أخرجه أبو داود وغيره وصححه الحاكم ] ، ، وعن سهل بن عمرو - رضي الله عنه - قال: مَرَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: «اتَّقُوا الله في هذِهِ البَهَائِمِ المُعجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً» . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح. ، وعَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ : (لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ). أخرجه مسلم . يالها من رحمة نبوية عظيمة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
بارك الله لي ولكم في القرآن..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه..
أما بعد فاتقوا الله أيها المسلمون ، واشكروه على ما من به عليكم من الهداية لهذا الدين القويم والمنهج الحق والصراط المستقيم ، وتمسكوا به إلى أن تلقوا ربكم جل وعلا (يا أيه الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنت مسلمون)
عباد الله : حتى الجمادات كان لها نصيب من رحمة وشفقة نبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم ؛ فعن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليها فسكنت ) ، وفي رواية ( فَنَزَلَ، عليه السَّلام، حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِىِّ الَّذِى يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: (بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ) الحديث أخرجه البخاري رحمه الله وغيره ، يالها من رحمة عظيمة طالت كل شيء حتى الجمادات ألا قاتل الله الشانئين له بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم
أيها المسلمون: ما سمعتم غيض من فيض من رحمته وشفقته ورفقه صلى الله عليه وسلم بالخلق أجمعين ، ألا فأين المنظمات الإنسانية عن هذه الشمائل العظيمة والأخلاق الإسلامية الكريمة ؟ ، وأين الإعلام العالمي عن إبراز هذه الصور المشرقة والمواقف الإنسانية النبيلة التي تظهر شيئا من معالم جمال ديننا ومحاسنه كريم أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ليتمثلها البشر فينعموا بالأمن والطمأنينة في كافة أقطار الدنيا ؟ بدلا من التشويه الآثم وتلفيق التهم الكاذبة التي تنفر الناس عنها فتجعلهم يعيشون في غياهب الظلمات فيتفشى الجهل وتنزع الرحمة ، ويسود الظلم والطغيان .
اللهم فاجز عنا نبينا وحبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خير الجزاء ، اللهم وفقنا لاتباع سنته والموت على ملته ، اللهم احشرنا في زمرته وأدخلنا في شفاعته ، وأوردنا حوضه ، واجمعنا به ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا ومن نحب في فردوسك الأعلى يارب العالمين.
صلوا بعد هذا وسلموا ..